تحفيز الاقتصاد أم تحفيز العدالة! / أ.د.خليل الرفوع

تحفيز الاقتصاد أم تحفيز العدالة!
الخبر الصحفي يقول: إن الفريق الاقتصادي الحكومي يعمل حاليا على وضع «خطة تحفيز اقتصادي» تشمل القطاعات الاقتصادية الصناعية والتجارية والخدمية والاستثمارية كافةً لتعزيز معدلات النمو الاقتصادي والتشغيل ؛ هذا خبر دعائي إعلامي لم ينشغل به الأردنيون ( فحكي السرايا لا يطبق على القرايا) ، وتحسب الحكومة أنها بهذا التضخيم اللفظي قد تهدئ من روع المواطن وترجئ حساباته حول مشقة الحياة وقلة الدخل إلى إشعار آخر ، وقد دأبت حكوماتنا منذ أن تعمق وعيُنا في المشهد الوطني على إظهار بطولاتها في مواجهة الواقع والزعم بعدم إرجاء التردي الاقتصادي أو ترحيل المشكلات الاقتصادية إلى قابل الأيام ، فالحكومات – سبحان الله – نسخ مصورة عن بعضها بعضا ، قد تختلف الوجوه والأسماء لكن الطرق والرؤى متشابهة ، فلا فرق بين شهاب الدين وأخيه في اللبرالية المعلبة والعلمانية المُقلِّدة إلا إن كل حكومة هي أكثر من أختها جشعا وجرأة في التنكيل بعيشة الناس ومستقبلهم .
وَفقا للخبر نفسه فإن الفريق في خلوة مغلقة وصومعة مُوْصَدة يجتمع بشكل دوري لزيادة النشاط الاقتصادي وتخفيض العجز في الميزان التجاري ورفد حركة الأسواق وضبط الهدر في الموازنة العامة ، وأضاف المصدر: إن الخطة تشمل إجراءات تهدف إلى خفظ العجز في الميزان التجاري وتنشيط بعض القطاعات الحيوية التي تسهم في رفد حركة الأسواق بشكل كلي وتساعد في التوظيف والتشغيل ، بالإضافة إلى الإعلان عن حزمة إجراءات سيتم اتخاذ بعضها خلال هذا العام والعام المقبل ضمن برنامج زمني محدد قابل للتنفيذ ويتوافق مع خطة الإصلاح الاقتصادي وضبط الهدر في الموازنة العامة وتنشيط التفاعل مع القطاع الخاص لاستيعاب وظائف جديدة ، وقد ختمت هذه العناوين بأخطر ما يمكن قبوله ( بموافقة الجهات الدولية والمانحة ) ، فهل أصبح التخطيط للاقتصاد رهينة لجهات دولية وكأننا لا زلنا في بطن الاستعمار نمور في كروشِه وأمعائه، هذه عناوين منفوخة متورمة ، علمها عند ربي هل ستتحقق أم لا ، فلم يعد المواطن يثق بلجان الحكومة ؛ فهي لم تشكل على أسس علمية موضوعية بشفافية الديمقراطية البرغماتية المعهودة في الدول المتقدمة ، فمن اختار تلك اللجنة هو من سيوجهها برؤية ضيقة ويملي عليها مدخلاته ومخرجاته وتصوراته وحساباته الخاضعة للقوى الإقليمية والدولية ! ثم من سيحاسب تلك اللجنة إن قصرت أو كانت حساباتها فردية مصلحية ؟ أليست هذه الحكومةُ حكومةً بنكية خالصة ؟ وأين دور مجلس النواب الذي يُزعم أنه مجلس أمة ؟ أي لِمَ لا يكون في تلك اللجنة ممثلون عنه وعن المجالس المنتخبة الأخرى ما دام أن هدفها المعلن هو وضع مخطط تنفيذي مستقبلي للاقتصاد الأردني ، يصاحبه تعديلات في التشريعات كما يصرحون ، إن غلبة الرؤى الفردية المصلحية مدمر للاقتصاد حتى لو كان ذلك الاقتصاد نفطيا غازيًّا متخما ، ولنا في خصخصة الشركات الوطنية أمثلةٌ تُضْرَبُ وتُرْوَى، لقد فرحت الحكومة بعودة النشاط الاقتصادي مع العراق وتنتظر بشرى عودته مع سوريا لاحقا ، فبناءً على حساباتها المؤمَّلة فإنه قد أنقذها من تشنجات الركود التجاري ، فما يسيطر عليها هو الفزعُ من الغضب الشعبي الآني؛ لذ تلجأ إلى الإنقاذ التكتيكي وليس إلى التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، ولا ندري كيف لو استمرت أزمات هاتين الدولتين واستمر غلق الحدود . على الحكومة أن تدرك أن المواطن غير معني بلجانها السرية وخططها الوهمية ورؤاها الفردية ، فما يريده هو تحقيق العدالة في انتخابات حقيقية تأتي برئيس وزراء منتخب وليس بحكومة أغلبية نيابية كما يذاع ويُبشَّر به ليتحمل كلُّ مواطن تبعات مسؤولية انتخابه ، وحينئذ يمكن القول إن تحقيق العدالة وإنصاف الناس بالوظيفة والمنصب قد نُفِّذ وآتى أكله وتتحقق لرئيس الوزراء ولايته في تشكيل اللجان وتشخيص الاقتصاد ومعالجته وفق برنامج انتخابي يمكن تطبيقه ومدعوما من ناخبين حقيقيين ، وعليه يكون الحساب والمساءلة وإرجاع ما نُهِبَ من الخزينة ؛ فلا يكون هدر أو سرقة أو تطاول بقوة المنصب على المال العام ، حينئذ يمكن أن يحاسب بأثر رجعي كل من أخذ قرشا واحدا ليس من حقه ومن خصخص مقدرات الأمة باجتهاد خاطئ ، ويقتص منه بعقوبة تردع غيره مهما كبر رأسه واشتدَّ ظهره ، ويومئذ فلا خوف من تسريب قرارات تنفيعية باطلة تقوم على تعيينِ من لا يستحق ، إن المبتغى هو تمكين العدالة أولا قبل التحفيز ؛ فمن يلتصق بالدولار حتى الموت لا يمكن أن يحفِّزَ مَنْ يلتصقُ بالتراب حتى الشهادة ، العدالة أساس كل نهضة حضارية ، والفساد مفسدة للأمة وهدم قيمها مهما بلغتم من التنظير والتأطير، فالوطن للأردنيين جميعا ؛ لذا من حقهم أن يكون لهم كلمة ورأي في حاضره ومستقبله ، فاللبراليون الجُدُد نسخ كرتونية عن العلمانيين السابقين ، أيدلوجيا مهترئة عُلِّبَتَ في عقول مستنسخة انتهت صلاحيتها في بلد المنشأ ، ألم يأنِ لأبناء الأرض والتاريخ والفكر أن يكون لهم حظٌّ من تخطيط بعد أن اُلْتُهِمَتِ الكعكة وما حولها .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى