تحرير فلسطين مرتبط بوهمية الكيان الصهيوني وهشاشة أمريكا.. ولا فخر

تحرير فلسطين مرتبط بوهمية الكيان الصهيوني وهشاشة أمريكا.. ولا فخر
فؤاد البطاينة

الكيان الصهيوني يحمل أكبر مسمى لدولة وهمية في التاريخ. يعيش بأنفاس دولة أخرى هي أمريكا، فأمريكا رئة “اسرائيل ” ومخلبها. “واسرائيل” تعلم ذلك هي ومستوطنوها، وتعلم بأن مصيرها متعلق بتغيير النظام الأمريكي أو بتغيير موقفه أو باستعادة الوضع الفلسطيني لمساره الصحيح. وإذا لم ينقطع هذا النفس الأمريكي ولم يتغير الوضع الفلسطيني أو العربي فستبقى رئتها مستعارة ويبقى وجودها وهمياً وعبثياً. ولكل جاهل أو غافل عربي أو مسلم يُشيع كلاما يبرر الاحتلال أمام جيلنا الذي لا يقرأ أقول بأن النصوص التوراتية والتاريخ الموثق يثبتان بما لا يترك ثغرة واحدة بأن اليهود القدامى الذي اصطلح على تسميتهم ببني إسرائيل والذين ينتسب لهم متهودو الخزر الصهاينة زوراً، لم تكن لهم (أي لليهود القدماء” سيادة على شير واحد من فلسطين ولو للحظة واحدة عبر التاريخ.
وإن مصطلح مملكة في ذاك الزمن كان تقليداً ومجازاً يُطلق على المدن أو المناطق الجغرافية الاجتماعية في أصقاع الإمبراطوريات التي عليها شيخ يدعى “ملك”. وكان تعيينه أو القبول به مرتبط بإرادة الامبراطورية او الدولة التي كانت تسود الاقليم أينما كان هذا الإقليم، ليجمع هذا الشيخ الملك الضرائب للإمبراطورية ويدير شؤون سكان منطقته أومجموعته الاجتماعية والدينية. وكان لدينا على سبيل المثال الزباء كملكة عربية ارامية في تدمر، وكليوباترا في مصر.وكان لدينا ملوك الغساسنة والمناذرة التابعين للإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية. وكانت عائلة هيرود الأدومية في فلسطين. وكلهم يَملكون كموظفين دون أدنى سيادة لهم على أرض مناطقهم. وكانت في فلسطين في تلك الحقب ما يصل الى عشرة ممالك على هذه الشاكلة. وكانت مجموعة اليهويين (اليهود القدامى) الوحيدة غريبة عن فلسطين والمنطقة، ولذلك كانت معاقبتها بالسبي من قبل الامبراطوريات. وإن هؤلاء اليهود منذ اخراجهم نهائيا من فلسطين في العهد الروماني لم يَدَّعوا يوماً بحق لهم في فلسطين ولم يطالبوا يوما بدولة لحين ظهور الصهيونية ومتهودي الخزر. أما الإمبراطوريات التي تناوبت على حكم المنطقة هي البابلية ( من الآكادية الى الكلدانية )، والأشورية والمصرية والحثية والفارسية واليونانية والرومانية
نعود لموضوعنا، فإن كانت أمريكا تمثل رئة الكيان الصهيوني، فإن أمريكا هذه هي الدولة الأكثر هشاشة في العالم لأسباب كثيرة منها أن نظامها القائم على الاستعمار والعنصرية ويعتمد التفوق في اللون والجنس في داخل دولته وخارجها، يشكل دولة لا تمتلك شعباً له مقومات الأمة ولا شعبا تربطه بالأرض رابطة وطنية، ولا بنظامه رابطة الشراكة الوطنية والطموحات السياسية والمستقبلية، وإن في هذه الدولة أغلبية شعبية سوداء أفريقية العرق وحّدتها العبودية في بناء تلك الدولة بالسخرة، ووحَّدها الظلم التاريخي لبشريتها وإنسانيتها، وما زال النظام يلاحقها بالتمييز والتهميش الذي يُسقط مفهوم الأمة أو nation عن أمريكا.
ومن صحة القول أن الدول العظمى كأمريكا لا تُفكك بقوة خارجية. بل بفعل داخلي. وأسباب هذا الفعل راسخة في أمريكا. والإعتماد الأساسي في هذا هو على هؤلاء المواطنين السود بهدم النظام الأمريكي الذي شكل كياناً بطريقة فريدة بالتاريخ لا يشبهه إلا الكيان الصهيوني في فلسطين من حيث طبيعة قيام الكيانين على الاحتلال الإحلالي الأجنبي الاستعماري العنصري المعتمد للتطهير العرقي. فأمريكا محكوم عليها بالسقوط والرسو على بر وصِيغ جديدة. وعندها لن يسقط الكيان الصهيوني في فلسطين بل سيزول آلياً وسيخرج كل مستوطني فلسطين كالفئران سربا وراء أخر. فكلهم يحملون جوازات سفر بلدانهم الأصلية.
لا أرى أسساً لدينا كعرب تدعو للتفاؤل على المدى المنظور عندما تأبى شعوبنا أن تدرك بأنها تسلك سلوك قطعان من العبيد تستمرئ الذل في أوطانها. يسوسها هؤلاء الحكام الوكلاء نواطير الصهيو أمريكي بالإرهاب بشتى أنواعه، ويُسَلمون أوطانها ومقدراتها ومستقبلها لهذا العدو الذي يخوض ضدنا حرب وجود. وأيضاً عندما تكون نخب هذه الشعوب مدجنة ومستسلمة وتركَت الساحة الشعبية وخلَّفت وراءها فراغا سياسياً رهيبا في الشارع ليشغله غير أهله. حتى أصبح منظرو الشعب ومن يتكلم باسمه ويوجهه كمعارضين لا سيما في الدول المستهدفة مباشرة كالأردن الكثيرون من قليلي الخبرة في العمل السياسي والمفتين بغير علم ومعرفة وصارفي الكلام العاطفي بلا حساب ولا أسس من الواقع الذي أصبحنا فيه كشعب ونظام ودولة. فيزيدون بالنتائج الفاشلة الإحباط لدى هذا الشعب فوق إحباط، حتى أصبحوا يديرون لعبة مشاغلة للنظام بعيدا عن واقع أزمتنا وما ينتظرنا. ويقابلهم في نفس الشارع من خلال وسائل التواصل الكثيرون من الخونة والمدسوسين والطامعين بالمال والجاه……لكني أرى أسس التفاؤل موجودة في أمريكا من خلال خصائص هشاشتها المشار اليها. وأن مسألة تفعيل هذه الأسس مسألة وقت.
فحقبة كورونا التي نعيشها لا تفتك تداعياتها إلّا بالدول والكيانات الهشة وأمريكا على رأسها. لا سيما بوجود ترمب بصفاته التي يعرفها الجميع. والذي أتوقع إعادة انتخابه لأسباب لست بصددها. وعلينا في هذا أن نضع بحساباتنا أن تداعيات كورونا تراكمية، فستبقى الشعوب المدجنة ترضى بواقعها وتدافع عن مكتسباتها المتآكلة إلى أن يعم التآكل ويكتمل التراكم. وما يحدث من انتفاضات واحتجاجات وما يرافقها من أعمال شغب وفوضى قبل اكتمال هذا التراكم لا يَحمل معنى الثورة. وبقدر ما يتعلق الأمر بأمريكا فالأغلبية السوداء البشرة هم الرقم الأصعب وهم البذور لفناء النظام الأمريكي الذي سيَصنع زواله التغير في العالم ومنطقتنا بالذات. ولم يكن أباء النظام ومن تلاهم غائبين عن هذه الحقيقة. فكانوا أثناء وبعد إلغاء العبودية يدركون خطر تكاثر السود وضرورة التخلص منهم. فمن اللحظة التي فكر بها ابراهام لنكولن بتحريرهم فكر بنفس الوقت باخراجهم خارج أمريكا. وفكر من بعده بالفكرة نفسها رؤساء اخرون وحاولوا استخدامهم خارج أمريكا ونجحوا في بعضها بانشاء دول أفريقية (وهناك مقال للمفكر العربي الأردني والفلسطيني جوزيف مسعد بعنوان جمهورية التفوق الأبيض الأمريكية. يتتبع فيه هذه الفكرة الغامضة عن الكثيرين بتفصيل وتحليل ).
إذاً، حادثة فلويد ليست بالضرورة شرارة التغيير بل الأقرب من كل ما سبقها طبقاً لحسابات تداعيات كورونا وتأثيرها المبكر على قطاعات واسعه.ولا شك بأن لاحتقانات المهمشين والملاحقين من أمريكا اللاتينية ومن المسلمين كأصحاب قضية تقف بوجهها أمريكا دور مساند للسود فيما يجري حالياً في أمريكا. ولكن بالتأكيد سيكون لهم دور فاعل في ثورة مقبلة في إطار تحالف واسع ضد النظام.. فما يجري حالياً في أمريكا يُفهم على أنه شرارة قرع جرس للنظام الأمريكي المختبئ وراء الديمقراطية المزيفة بأنه سيواجه التدمير من الداخل، بينما هي شرارة جرس ينبه سود أمريكا بأنهم بأغلبيتهم ودعم الأخرين أمثالهم يشكلون قوة، وقادرون على تغيير وجه أمريكا ومضمونها وعلى التحرر الحقيقي من العبودية ومظاهرها.
نحن كشعب عربي معنيون أكثر من غيرنا بما يجري وسيجري في أمريكا. كما أن حكامنا معنيون أكثر من غيرهم بما يجري فيها ولكن في الاتجاه المعاكس.وليس شرف لنا كشعب أن نعيش على أمل انتظار كارثة تحل بعدونا، ولكنه منطق التاريخ ومنطق واقعنا. وكما نعلم بأن وعد الله حق ولكنا لسنا من يقول إذهب انت وربك قاتلا إنا ها هنا قاعدون. ولا تاريخنا يستحق من أجياله أن تُرفع لافتات في أمريكا وغير أمريكا مأزومة بعبارة “لسنا عربا لنقتل ونصمت “. فحتى لوكانوا جهلة أومدسوسين فهناك ما استلهموا منه قولهم هذا الذي فيه الكثير من الظلم لنا. فليس هناك شعب ولا منطقة في هذه المعمورة كانت هدفاً لعتاة العالم وعلى رأسهم أمريكا والغرب عامة والصهيونية وحكام لها علينا، كما نحن العرب، ومع هذا فنحن ربما الشعب الوحيد الذي يواجه الصهيونية ويعريها. ولم يدفع شعب من الشهداء كما دفعنا. فذاك الشعار معطوف على خونة الأمة من الحكام ونحن نعلم الواقع بأنها مسئولية الشعوب. فالتحرير والكرامة الانسانية والوطنية لا تخرج من بيوت عميلة فاسدة قذرة.
كاتب وباحث عربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى