تحت الغربال / د. هاشم غرايبه

تحت الغربال

جرت العادة أن يُقيّم الأشخاص المؤثرون في المجتمعات بعد موتهم، فيُحمدون على مآثرهم وانجازاتهم أو تُستذكر مساوئهم وقبائح أفعالهم، لكني سأتحدث عن شخصية حيّةٍ، مازالت فاعلة في التأثير في تاريخ أمتنا المعاصر هو: السيد حسن نصرالله.
بداية لا بد من التعريف بشخصه، فهو ولد في جنوب لبنان في قرية “البازورية” عام 1960 لعائلة شيعية فقيرة، ولكن يقال أنها عراقية أصلا تنتمي الى عائلة طعمه في بابل التي تقول أن جدها زيد بن علي، ومن هنا جاء اكتساب نصرالله للقب “السيد”.
وبسبب إهمال الدولة اللبنانية الطائفية لمنطقة الجنوب، فقد هاجرت العائلة الى حي الكرنتينا في بيروت، لكنها اضطرت الى العودة هربا من ويلات الحرب الأهلية عام 74، وظل هناك حتى اكمل دراسته الثانوية، وخلالها التحق بصفوف حركة أمل كونها التنظيم الشيعي الوحيد.
ذهب فقيراً الى “النجف” لإكمال دراسته الدينية، وتعرف هناك على “عباس الموسوي” وفرح عندما علم أنه لبناني الأصل، والذي دعمه فساعده للوصول الى محمد باقر الصدر، وبعد أن أكمل دراسته بقي هناك، لكن ملاحقات النظام العراقي لكل المتدينين السنة والشيعة، دفعته للهرب فعاد الى بعلبك حيث أصبح مسؤولا لحركة أمل في البقاع.
في عام 1982 قام واستاذه “الموسوي” بالإنشقاق عن “بري” وتأسيس حزب الله، بسبب خلاف على التحالفات السياسية، ولمع نجم هذا الحزب بسرعة بعكس حركة أمل، بسبب انسحاب (إسرائيل) من جنوب لبنان بفضل عملياته الجريئة ضد قوات الاحتلال، ثم ذهب الى “قم” في إيران لإكمال علومه الدينية لكنه اضطر للعودة بسبب النزاعات العسكرية مع حركة أمل، وبعد اغتيال الموسوي عام 92 انتخب نصرالله أمينا عاما للحزب.
أصبح نصرالله عنوان النضال بسبب تصدي حزب الله البطولي للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 ، وفشلت محاولات تحالف معسكر الإعتدال: (الأردن والسعودية ومصر والسلطة الفلسطينية) الداعمة للعدو رغبة بالتخلص من حزب الله، بتحميل مسؤولية الحرب (لمغامرات نصرالله غير المحسوبة)، حيث نال حزب الله تأييد كل المسلمين شيعة وسنة.
الى هنا كان المسلمون لا ينظرون الى حزب الله كتنظيم شيعي طائفي، بل مقاومة إسلامية تتصدى الى جانب حماس للعدو الأول لكل المسلمين، لذلك فوجئنا عام 2003 حينما صرح “نصرالله” في لقاء مع وفد للنقابات المهنية الأردنية كنت أرأسه، مؤكداً التزامه بولاية الفقيه، ومبينا أن ولاءه لإيران مُقدّم على غيره.
رغم ذلك فلم يتأثر تأييدنا له، فقد كنا نعتقد وقتها أن إيران إسلامية المنهج، فلا يمكن أن تتحالف مع أعداء العرب المسلمين، وظلت كل القوى الوطنية تؤيد حزب الله وحماس بالدرجة ذاتها، ويمثلان الكفاح المسلح لتحرير فلسطين.
أما أول انكشاف لطائفيته، فكان في السكوت عن تواطؤ إيران في احتلال أمريكا للعراق، لكن الإمتحان الحقيقي كان في الإنحياز السافر للنظام العلوي في سوريا، وسقط نهائيا عندما أعلن أن حزبه سيقاتل في سوريا لحماية قبر السيدة زينب في دمشق.
ممن كان سيحميه..؟، وهل كان النظام العلوي هو حاميه على مدى العصور أم أهل الشام الذين هم بنسبة 80 % من السُنة؟.
وهل الذين هبوا لنجدة النظام الذي ثار عليه شعبه، وهم تحالف طوائف الأقليات المتخوفة من قيام نظام إسلامي بديل، مع القوى الطامعة كالأمريكان والروس والإيرانيين، يحبون آل البيت أكثر من المسلمين؟.
أم هي حجج الطائفيين الحاقدين على الأمة التي أكرمها الله برسالته الخالدة؟
هكذا يتبين لنا أن الأحداث المؤلمة التي يبتلى الله بها أمته، تحمل ايضا تمحيصا وكشفا للزيف، فكم من الجماعات والشخصيات التي فرّخها أعداء الإسلام، وتتظاهر بالولاء للأمة والعمل لصالحها، قد تتمكن من التستر خلف شعارات براقة، وتلبس أردية المجاهدين أو مسوح المناضلين، فينخدع بها الناس ويظنونهم من أبطالهم المخلصين لفترة تطول أو تقصر، لكن عداءها لعقيدة الأمة لا يكشفه غير الإمتحان، لأن الله يأبى إلا أن يكشفهم فتسقط عنهم هالة الزيف…في الدنيا وقبل الخزي الأكبر يوم القيامة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى