تحت الضواء

#تحت_الضوء

د. #هاشم_غرايبه

لربما يندهش المرء من هذه الهبة الغضنفرية للغرب جميعه، انتصارا لكيانهم اللقيط بعد معركة الطوفان، فلم تتخلف دولة أوروبية واحدة، من أشدها عنجهية وعدوانية، الى أكثرها مسالمة وبعدا عن الانخراط في الصراعات، لم تتخلف واحدة عن ترديد الموال الموحد: شجب عملية المقاومة ووصفها بأبشع النعوت، مقابل تبرير أفعال الإبادة الجماعية الانتقامية ضد المدنيين في القطاع.
ألا يدل ذلك على شعورهم بخطر زوال هذا الكيان المكروه، والقائم على أسنة الحراب وليس على منطق الشرعية!؟.
إن أكثر من يحسون بهذه الحقيقة هم قاطنو هذا الكيان، الذين ما هاجروا اليه من أوطانهم الأوروبية إلا طمعا بفعل الاغراءات التي تقدم للمستوطنين، مثلما فعل الأوروبيون الذين هاجروا الى الأمريكتين واستراليا.
الفارق أن تلك الأراضي كانت واسعة مفتوحة، مقابل قلة حيلة أصحاب الأرض الأصليين، وانعدام مناصرين لهم،
لكن الهجرة الى فلسطين مختلفة، فأصحاب الأرض الأصليون الذين جرى تهجيرهم الى الأقطار المجاورة، هم جزء من هذه الأمة العريقة المحيطة بها من جميع الجهات، لذلك فهي تشكل عمقا استراتيجيا ودعما لوجستيا لهم، مما ينفي امكانية افنائهم كما الهنود الحمر، أو اذابتهم في الواقع الجديد المفروض عليهم كسكان استراليا الأصليين.
والعامل الثاني هو أن هذه الأمة التي أكرمها الله بهديه، تتبع عقيدته التي تعز من ينتهجها، وتلغي أية إمكانية للإستسلام والرضوخ للعدو الغازي، مهما كانت قوته وامكانياته.
هذا ما يعلمه الغرب المغتر بقوته وتفوقه العسكري، لذلك يَحذَره، ويستخدم كل امكانياته في محاولة كسر هذا السد المنيع أمام تحقيق أهدافه، وذلك على صعيدين:
الأول السيطرة على الأنظمة السياسية الحاكمة لتركيعها ومنعها من تقديم أي دعم ولا حتى معنوي لرافضي التخلي عن أرضهم لصالح المحتلين، لتيئيسهم وفضهم عن المقاومين.
والثاني منع وحدة الأمة، التي يعلمون أنها ستتحقق عندما يصل من يؤمنون بالله ويتبعون دينه الى الحكم، لذلك تنصب جهودهم على حظر انتهاج الإسلام سياسيا.
ورغم أنهم نجحوا في الأمرين الى الآن، إلا أنهم في قناعاتهم يدركون صعوبة ادامة هذه الحالة، وقلقون من دنو اللحظة التي ستسقط فيها كل تحصيناتهم لهذا الكيان، وهذا يفسر قلقهم وخوفهم عليه.
وأكثرهم قلقا هم قيادات الكيان، لذلك يظهرون دائما لمواطنيهم رباطة الجاش والثقة العالية بقوتهم، مع أنهم في داخلهم يرتعدون فرقا.
يروي “ناحوم غولدمان” في كتابه “المفارقة اليـ.هودية”، قول “بن غوريون” له في عام 1956: “لقد أصبحت على مشارف السبعين من عمري، فلو سألتني عما إذا كان سيتمّ دفني في دولتنا لقلت نعم، فبعد عشر سنوات أو عشرين سنة ستبقى هذه الدولة، ولكن إذا سألتني عما إذا كان ابني عاموس سيكون محظوظا بأن يُدفن بعد موته في دولة ي.ـهـ.ودية فسوف أجيبك ربما بنسبة 50٪”. قاطعه غولدمان قائلا: “كيف لك أن تنام مع هذا التوقّع؟”، فأجابه: “من قال لك إنني أذوق النوم يا ناحوم”؟.
عملية الطوفان بددت آمال المستوطنين بقدرة جيشهم على إبقاء النيران خارج ديارهم، فهم يعلمون نقطة ضعفهم الاستراتيجية هي البطن الرخو، وهي أن عاصمة كيانهم لا يفصلها عن الحدود ألا بضعة كيلومترات، لذلك فلا ضمانة لبقاء الأنظمة المحيطة بهم حامية لهم من الاختراق البري، والذي سيحيّد تفوقهم الجوي، الذي يعتبرونه اليد الطولى الرادعة للمحيط المتربص بهم.
ففي استطلاع أجرته قناة “كان” بالتعاون مع معهد “كنتر” بمناسبة مرور سنة على الطوفان، أظهر أن 86% من سكان مستوطنات غلاف غزة يرفضون العودة اليها حتى لو أوقفت الحرب.
وحتى قبل ست سنوات من تلك العملية، قال النتن: ” سأجتهد كي تبلغ دولتنا عيد ميلادها المئة، لأن مسألة وجودنا ليست بديهية، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تُعمَّر دولة للشعب الي.ـهودي أكثر من 80 سنة”.
ويشاطره “باراك” رأيه ويتخوف مما يسميه (لعنة العقد الثامن)، ويقول في مقالة صحافية في عام 2022 : “التاريخ اليهودي يفيد بأنه لم تُعمَّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة”.
لذلك سيتحول القلق الى رعب مقيم بانتظار النهاية المحتومة، بفعل ثلاثة عوامل حققتها عملية الطوفان: فشل عسكري فاضح في تحقيق الهدفين المعلنين للعملية البرية، وتغيرات هامة في الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية، ودقة وفاعلية الضربة الإيرانية مع فشل صدها.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى