تحت الضوء

تحت الضوء
د. هاشم غرايبه

استهل مرشح الحزب الديمقراطي الأمريكي “بايدن”حملته الانتخابية بإعلانه عزمه (في حال فوزه بالرئاسة) على الإطاحة بأردوغان بالتعاون مع شركائه المحليين (العلمانيين الأتاتوركيين) وبتمويل شركائه الإقليميين (الأنظمة العربية المكرسة لمحاربة الداعين الى انتهاج الإسلام)، وقال إنه واثق من نجاح هذا التحالف في ذلك، أسوة بما تم بإقصاء الإسلاميين عن بلدية اسطنبول، غير عابئ بأنه بذلك يعترف بالتدخل الأمريكي الفاضح في انتخابات الدول الأخرى، وأن ما تم فعليا في إبعاد الإسلاميين عن بلدية اسطنبول ليس خيار الشعب، بل نتيجة تآمر امبريالي مع عملائهم المحليين وتمويل صهاينة العربان.
هذا الأمر ليس مفاجئا، ولا يشكل انكشافه دهشة لدى مخلصي الأمة والحريصين على إخراجها من الهوان الذي أوصلها إليه من تولوا أمر قيادتها خلال القرن المنصرم، لكنه ربما يجعل المهمة صعبة على أولئك النفر من الأمة ممن يبطنون العداء للإسلام، ويدّعون تقية أن عداءهم ليس له بل لجماعة الإخوان المسلمين.
هم يقولون أنهم يُكنون الإخلاص لها والحرص عليها، ويسعون أيضاً الى انقاذها مما هي فيه، لكن بعدم انتهاج المنهج الإسلامي الذي اختاره الله لها، بل باتباع منهج الغرب، هنا ينكشف زعمهم وينكشف أن عداءهم للمنهج وليس للأشخاص.
لم يلتفت هؤلاء الى أمر هام، وهو أن نجاح منهج الغرب بأي من تفصيلاته :(الرأسمالية – العلمانية – الليبرالية – الماركسية)، لم تكن بسبب صوابية المنهج بل بسبب انتماء قادتهم الى أوطانهم وانصرافهم لرفعة شأنها.
فهل وجدنا يوما في تاريخ صراعات الأمم الأوروبية، أن حاكما اكتشف ولاؤه لدولة منهجها معاد لبلده؟، إلا حالة واحدة هي غورباتشوف – يلتسين، ورأينا نتيجة ذلك.
لقد اختار الله العرب ليحملوا أعظم أمانة وهي الدعوة لمنهجه، وهيأهم لتلك المهمة منذ القدم فجعل بيئتهم صحراوية مجدبة لكي لا يطمع بها الطامعون، ويبقوا بمعزل طبيعي في جزيرتهم، لكي يحافظوا على لغتهم العربية من اختلاطها بلغات الآخرين لأنها ستكون لغة القرآن، ووهبهم الفصاحة والبلاغة وجعل ابداعهم منحصرا في نظم الشعر وتذوقه، لكي تبقى لغتهم قوية جزلة، الى أن يحين موعد نزول القرآن ليتمكنوا من استيعاب معانيه الباهرة البلاغة والإعجاز اللغوي.
كما استجاب لدعوة ابراهيم عليه السلام عندما استودعه ابنه الوحيد، وتركه في رعايته في واد غير ذي زرع، فجعل أفئدة البشر كلها تهفو الى تلك البقاع، وثمرات كل البقاع تصلها، كما أودع في باطنها ثروات تغنيهم عندما تتوسع أرض الإسلام، حتى تظل أمتهم عزيزة مرهوبة الجانب.
ماذا يتبقى لكي تنعم هذه الأمة بمرتبة الصدارة بين الأمم ؟.
لا شيء غير الاضطلاع بالمهمة ، وهي تبني المنهج الإلهي الذي بموجبه تكون خير أمة أخرجت للناس والذي يتكون من عناصر ثلاث، ممكنة التنفيذ، وليست مهاما تعجيزية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله.
لقد رأينا قبلا أن الله اختار بني إسرائيل لحمل أمانة تبليغ منهجه لغيرهم، وأنعم عليهم كثيرا من النعم مقابل ذلك، لكنهم حينما نكصوا على عقبهم وكذبوا بأنبيائهم وحاربوا دعوتهم، عاقبهم بالذلة والمسكنة الى يوم الدين.
للك لا نعجب عندما نرى أن هذه الأمة غدت في ذيل الأمم عندما انصاع أولو الأمر فيها لإملاءات المستعمر تمسكا بالكرسي العفن، فقبلوا خيانة أمتهم بمحاربة منهج الله والداعين له لمنع عودة الأمة الى وحدتها التي لن تتم إلا على أساس من عقيدتها.
ولن يطول الوقت بهؤلاء حتى نرى الأموال الوفيرة وقد باتت هباء منثورا، فالله تعالى منحها للأمة لكي ترتقي بها وليست لتسخيرها لتنفيذ المؤامرات الأمريكية لطرد المخلصين الساعين للنهوض ببلادهم وأمتهم، ولا لمحاربة الساعين لعودة الأمة لمنهج الله.
قيل قديما لأحدهم: أيهما تفضل الفقر مع العقل أم الغنى مع الحمق، قال لا أقبل أن أكون أحمقا ولو أوتيت مال العالم، لأن حمقي قد يجعلني أتخذ قرارات تذهب مالي ..ويبقى علي حمقي.
سيزول المال ..ويبقى على هؤلاء خيانتهم لكي تكون نهايتهم مذمومين مدحورين في الدنيا ..قبل عذاب الخزي في الآخرة.
لكن على المخلصين لمنهج الله عدم الاستسلام لهذا الواقع المرير، ومواصلة العمل على تغييره، فذلك وحده كفيل برفع غضب الله علينا جراء ما فعله السفهاء منا بنا، لقوله تعالى لبني إسرائيل في سورة الإسراء” إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا” و ” عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى