
د. #هاشم_غرايبه
كان لنجاح شاب هندي مسلم بالوصول الى رئاسة بلدية المدينة الأهم في العالم (نيويورك)، أثر مدوٍّ، صدم البعض وأفرح آخرين، رغم ان هذا المنصب لا تأثير سياسي له، لا على الصعيد المحلي الأمريكي، ولا الدولي.
لكن ما يجعله حدثا لافتا، أنه ينبئ بدلالات هامة، وفيه إشارة لتغير مفصلي أصاب المجتمع الأمريكي، وسأعرض تاليا لأهم تلك الدلالات:
1 – ليس الأمر هاما كونه مسلما أو غير مسلم، اذ لم يعد اتباع الإسلام تلك التهمة المرعبة، كما خلال الحملة الصليبية الأخيرة التي قادها “بوش” وسماها “الحرب على الارهاب”، فقد دخله الأوروبيون خلال العقدين الآخيرين أفواجا بقناعاتهم بعد أن عرفوا حجم التضليل الذي صنعه التعصب الغربي ضده.
الأهم هو فوز شاب من المهاجرين الجدد، بعد أن تمكن من الوصول الى عقول الناخبين وخاطب مصالحهم وأقنعهم بقدراته، ومع أنه ينتمي سياسيا الى الحزب الديموقراطي، إلا أنه لم ينل دعما منه، بل حدث توافق مع الحزب الخصم (الجمهوري) على الوقوف ضده، حتى ان موقف “أوباما” كان مائعا، فقد ظل مترددا يخشى اعلان تأييده، وذلك لأن كلي الحزبين يسيطر عليهما الطبقة السياسية المسماة (المحافظون الجدد) التي تنتمي الى البروتستانتية.
2 – كما أنه أول تحدٍّ عملي لـ “ترامب” الذي وظف كل امكانياته ضده.
3 – الأمر الهام أنه أول مرشح لنيويورك لم يتلق الدعم المالي المعتاد من “أيباك”، فكل العمدات السابقين ما وصلوا الا بتمويل الأيباك، والتعليل واضح، ففي هذه المدينة يقطن أكبر أثرياء اليـ.ـهود، وهؤلاء هم أكثر من يخشون على أموالهم وعقاراتهم، لذلك يختارون دائما من يحقق مصالحهم وينمي استثماراتهم، في هذه المرة حدث انقلاب في المفاهيم السائدة، فهذا الذي لم يتسول على أبواب الأيباك نجح، لذلك فإن الهالة المرسومة حول القدرات الأسطورية لهذه المنظمة على وشك الزوال.
4 – كان معروفا سابقا أنه من متطلبات الوصول الى هذا المنصب الحج الى حائط المبكى ونطحه بالراس التي هي دلالة ايمانية بخرافات التلمود، لذلك كان يتعمد معارضوه سؤاله عن موعد زيارته الى الكيان اللقيط، فكان يتهرب من اعطاء الجواب، بل كان لا يتورع عن إعلانه دعمه للحق الفلسطيني، ومعروف أن ذلك مقتل لمن يترشح في نيويورك التي تحنوي أهم تجمع يـ.ـهودي في أمريكا.
لذلك فإن احد الثوابت في وصول الطامحين الى تبوأ المناصب السياسية الأمريكية يكون قد تزعزع.
5 – وأخيرا نصل الى الدلالة الأهم في هذا الفوز، والتي تقلق المحافظين الجدد خصوصا، والكنيسة المسيحية الصهيونية عموما، وبشكل جدي، وهي التغير الانقلابي في مزاج الشباب الأمريكي، والذي يمثل المستقبل، فمعروف أن القاعدة الانتخابية العارمة التي أوصلته هي الشباب الذين اعتقدوا أنهم قد روضوه على الانكباب على الملذات والاعراض عن الاهتمام بالأحداث الدولية، واقتصار ثقافتهم فيها على ما يبثه الإعلام الموجه، ومن غير محاولة البحث عن الحقيقة بسماع الرأي الآخر.
هنا يبرز السؤال: كيف حدث ذلك، ومن هو المسؤول عن حدوث هذا التغير؟.
الإجابة الوحيدة هو طوفان الأقصى، فقد كان رد الفعل الغربي عليها مبالغا فيه، يكشف مدى قلقهم على كيانهم اللقيط، وخوفهم من زواله، لأن هذه العملية البطولية كشفت كم هي هشة هذه الفقاعة الموهومة حول الجيش الذي لايقهر، والتي صنعوها وضخمتها الأنظمة العربية لتبرير تقاعسها، لكي يحبطوا أية محاولة جهادية لاستعادة الحق المضاع.
لقد أرادوا تأديب من تجرأ على ما جعلوه مقدسا، وبكل قسوة، لكنهم لم يحسبوا حسابا لعواقب ذلك، فقد عرف شبابهم مدى كذبهم وتزييفهم الحقائق، وحجم تناقضهم مع ما يدعون اليه من مبادئ، فنظموا المسيرات الاحتجاجية، في جامعاتهم وفي شوارعهم، لذلك كان من الطبيعي أن تكون خياراتهم في من يماثلهم من شباب رافض لظلم الآخرين، فكانت أول ثمرة اختيار هذا المرشح.
هذه أول اشارات هذا التغيير، وهم مكروا مكرا كبارا، ولكن الله من ورائهم محيط، ويأتيهم الله من حيث لم يحتسبوا.

