
#تحت_الضوء
د. #هاشم_غرايبه
شهدت الأيام الماضية أحداثا هامة على المستوى الدولي، متعلقة بالقضية الفلسطينية، وتنبع أههميتها من أن فضاءها كان الاتحاد الأوروبي، فشهدنا التباعد عن الموقف الأمريكي المتحيز بشكل مطلق لساسة الكيان اللقيط الذي بلغ حدا غير مسبوق.
قبل أن نتسرع بالتفاؤل علينا أن نبحث في خلفيات اصدار “إعلان نيويورك” وعرضه على اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة، وتبنيه منها ونيله تأييدا كاسحا فيها.
ترى ما هي الدوافع التي حدت بالأوروبيين الى ذلك؟.
هل هي صحوة ضمير، أم حكمة تأخرت كثيرا، أم تعبير أخلاقي عن الالتزام بالأعراف والقوانين الدولية؟.
بالطبع فهي ليست في أي مما ذكر، فليس للضمير أو الأخلاق أي اعتبار في سياسات الأنظمة السياسية الغربية، فما يحكمها أمران هما المصالح وما يحقق الكسب والربح.
فهذان الأمران قد تعرضا بفعل طوفان الأقصى لهزة عنيفة تمثلت بما يلي:
1 – سقطت أوهام الغرب بان التفوق العسكري الكاسح للكيان اللقيط سوف يفرض على المحيط هيبته وسطوته، وسوف يتقبله هذا المحيط كأمر واقع، وبالتالي تترسخ هيمنته سياسيا واقتصاديا، وهذا هو الهدف الأساسي من اقامة الغرب هذا الكيان.
2 – الهدف الثاني لهم لم يكن تعويض اليـ.ـهود عما نالهم من ظلم الأوروبيين، بل كان تجميعهم في مكان بعيد عن أوروبا، وبذلك يتخلصون من شرورهم، وبالتالي لا يريدون سقوط هذا الكيان وعودة هؤلاء مرة أخرى اليهم.
3 – تحققت رؤية “السـ.ـنوار” من وراء عملية الطوفان المظفرة، فقد قال ان هدفنا هو القضاء على هذا الكيان، وإن لم نحقق ذلك عسكريا فسوف نسقطه في عيون العالم ونجعل كلفة إدامته باهظة.
وبالفعل لم يكن يأمل من خططوا لتلك العملية أن تحقق النصر، فالتباين هائل بين المقاومين والعدو في القوة والامكانات المادية، لكن كانوا يأملون أن توقف على الأقل مسلسل التخاذل التطبيعي، وتحيي العزائم وتعيد الأمل في جدوى التصدي العسكري للعدو.
لكن ما حققته كان أعظم، فقد وضعت قضية فلسطين على رأس اهتمامات العالم، والأهم أننا شهدنا تضامنا عالميا واسعا، وخاصة على الصعيد الشبابي، وهذا أكثر ما أقلق سياسيي الغرب،لأن الشباب يعني المستقبل، وفشل الإعلام المضلل في ابقاء صور الكيان اللقيط كضحية، فانكشفت حقيقته العنصرية وممارسته التطهير العرقي.
من هنا فالدافع الأكبر وراء ما نعتقده تحولا ايجابيا في الموقف الأوروبي، هو القلق على مصير الكيان وليس النخوة وصحوة الضمير، فقد أحسوا بعد الطوفان كم هو مكلف ادامة هذا الكيان، وكم هي شاقة مهمة الدفاع عن أفعاله، ففكروا بدافع المصلحة فوجدوا أن الوسيلة الوحيدة الممكنة لتثبيته وحمايته من الزوال هي حل الدولتين، لأجل ذلك رأيناهم يهرولون للاعتراف بسلطة عباس على أنها دولة، فبشكلها المقزم الحالي الذي يحاولون ترويجه بصورة دولة مستقلة، هي أفضل ضمانة لبقاء الكيان.
لو عدنا الى أصل فكرة حل الدولتين، فمنشؤها أمريكي، وسميت مبادرة الملك عبد الله لأجل تسويقها على الصعيد الشعبي العربي على أنها مبادرة عربية، لكن اندلاق الأنظمة العربية نحو التطبيع قبل اقرارها هو ما أطمع الكيان بقرب تحقيق مراميه بلا كلف، فتخلى عنها.
نخلص الى أن اعلان نيويورك لم يكن نصرا ديبلوماسيا عربيا، بل هومحاولة للآلتفاف على منجزات السابع من اكتوبر، وتطويق تطلعات الأمة، وتقزيم آمال الفلسطينيين الاستقلالية للقبول بمجرد ادارة مدنية تحمي الكيان وتطيل بقاءه.