
د. #هاشم_غرايبه
في العلاقات بين المجتمعات البشرية، هنالك سنة كونية ثابتة، هي قاعدة تحكمها ولا شواذ لها، وهي أن المصالح هي الأساس، متى ما تعارضت تولدت الصراعات، ومتى ما توافقت تولد التعارف والتعاون.
لذلك شاء الله أن لا يخلق البشر من طينة واحدة ونسخا متطابقة، بل شعوبا وقبائل ذوي قدرات وامكانات متباينة، ليتعارفوا ويتعاونوا.
لكن لأن الفطرة البشرية مبنية على غريزة حفظ النفس وحفظ النوع، لذلك كانت الأنانية وحب الذات طبعا سائدا، والتي ان زادت ولدت الأطماع والرغبة بالاستئثار بالنفع، والتي قد تصل الى درجة سلب الآخرين حقوقهم، لذلك أنزل الله الدين ضابطا مانعا من الظلم والتعدي.
هنا أصبح لدينا مجتمعات منضبطة بضوابط منهج الله الذي هو الحق، وأخرى متفلتة تتبع الباطل، الحق سبيل واحد يسمى الصراط المستقيم، والباطل شعاب متعرجة متعددة بتعدد نزعات الظلم والأطماع، لا يحكمها ضابط، لذلك سمى الله منهجه: النور، وما خالفه: الظلمات لأنها متعددة المسالك ومتشعبة المهالك.
من ذلك تنشأ حقيقة أزلية باقية، وهي ان الصراع بين حق وحق لا يكون، لأن الحق واحد متطابق، وإن حصل فأحد الطرفيين أو كليهما منحرف عن الحق.
والصراع بين حق وباطل يكون، قد يقصر أو يطول بحسب علو همة أهل الحق، لكن النتيجة دائما ان الباطل زهوق.
أما الصراع بين باطلين فهو دائم قائم ولن ينتهي.
بناء على ما سبق نفهم التطورات في الأزمات العالمية التي يصنعها حيتان الاحتكار الرأسمالي بين الفينة والأخرى.
ففي الحالة الأوكرانية، استعمل الغرب المتوحش لعبته المفضلة: الاحتواء المزدوج، عندما حرض الحكومة الأوكرانية على طلب عضوية حلف الناتو، وهم يعلمون ان ذلك سيستفز الروس، خاصة بعد التحاق دول البلطيق به، فأصبح للغرب قواعد محاذية لديارهم، بعد أن كانت دول أوروبا الشرقية تشكل ساترا جغرافيا بين الروس والغرب.
هكذا تم جر روسيا الى الحرب، في الوقت الذي كانت تستعد فيه للتعافي مما أصابها من انهاك جراء فشل التطبيق إبان الحقبة الشيوعية، وكانت روسيا على وشك تدشين مرحلة جديدة من التقدم، أسوة بما فعلته الصين بعدما تعافت هي أيضا من مرحلة الشيوعية.
وكعادة الغرب المتوحش فهو يحارب دائما بجنود الآخرين، ولا يقدم سوى العتاد والسلاح، والذي هو بحاجة دائمة الى استبداله بعد قرب فقدانه صلاحيته.
ورغم ذلك فقد استنزفتهم الحرب، بعد أن ابتلعت ساحات المعارك الكثير، فأصبح الحمل ثقيلا على الممولين، وبالطبع فدائما ما تتحمل القوة العظمى (الشيطان الأكبر) الحصة الأكبر من هذا الحمل، لذلك اصبحت تضغط على أتباعها الأوروبيين لزيادة مساهماتها، وبالطبع فالمرشح الأكبر هو ألمانيا، التي استقلال قراراتها صوري، فهي ترزح تحت الاحتلال العسكري الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لذلك نراها تتحمل العبء الأكبر في تمويل كل مغامرات أمريكا الإستعمارية.
بالطبع فللتحمل حدود، خاصة مع حرب عبثية كهذة لن يحقق فيها أي طرف نصرا، بل دائما ما تنتهي الى تقاسم الهزيمة بين الطرفين، لأن صراعات الباطل لن تنتهي، بل دائمة باقية بصور مختلفة، تتخللها فترات استراحة.
من هنا نفهم تذمر “زيلنسكي” من تأخر مواعيد وصول الدعم، إضافة الى الهدر الكبير جراء احتكار عمليات النقل الداخلي من قبل شركات أميركية تتقاضى مبالغ باهظة، وفي النهاية تسجل هذه النفقات كديون، ستطالب أوكرانيا بتسديدها، ولما كانت ستعجز حتما عن ذلك، فقد بدأت التلميحات من قبل المسؤولين الأميريكيين بأن لدى أوكرانيا موارد طبيعية يمكن مقايضتها، أي أن الاحتكاريين الغربيين سوف يمتصون خيراتها، ولن يشفع لها أن رئيسها يهودي، فالباطل لا دين له، وذئاب الرأسمالية جشعة لا تشبع، تأكل كل شيء حتى أولادها.
هكذا هي حروب الباطل، ولذلك هي لا تتوقف حتى تبدأ من جديد، لأن أطماعها لا تنهي.
المتصدي الوحيد لها هو الحق، ورأينا كيف أطمع ضبع البيت الأبيض أن دولته نجحت عام 1965 في ترحيل سكان أرخبيل “تشاغوس” لاقامة قاعدة “دييغو غارسيا”، فطرح فكرة احتلال غـزة واقامة مشاريع سياحية فيها بعد طرد أهلها، لكنه تراجع عندما ذكّره مستشاروه بأن سكان غزة ليسوا كسكان موريشيوس، فهم يتبعون عقيدة الحق، والتي تعصمهم من الرضوخ، ولا تتيح لأهل الباطل اليهم من وسيلة.
الباطل زاهق مهما طال استعلاؤه.