#تحت_الضوء
د. #هاشم_غرايبه
من المصطلحات الخبيثة التي ادخلها معادو الإسلام خلال القرن المنصرم، مفهوم الإسلام السياسي، في إشارة الى الذين يدعون لقيام الدولة الإسلامية والعودة الى الحكم بمنهج الله.
المعروف أن الإسلام لم ينزله الله لأداء العبادات فقط، بل لتنظيم كافة أوجه النشاطات المجتمعية، وبما أنه منهج إلهي المنشأ، لذا فهو كامل وملزم، وغير قابل للتجزيء للإنتقاء منه ما يوافق الأهواء وترك ما لا يوافقها، فهو كل متكامل لا ينجح بالنهوض بالمجتمع إلا بتطبيقه كاملا بكافة أوجهه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
بعد قرون من صراع الغرب مع الدولة الاسلامية للإستيلاء على مقدراتها، نجح في بداية القرن العشرين بهزيمتها، لذلك لم يفوت هذه الفرصة لتكريس هذا الاندحار، ومنع عودتها مرة أخرى، فقام بشرذمتها الى كيانات قطرية متنابذة، وجعل متطلب الفوز بالحكم في كل منها الالتزام بشروطه في منع التوحد بين هذه الأقطار من جديد تحت راية الإسلام.
ذلك يفسر لنا لماذا تتشاكس هذه الأقطار وقد يصل الأمر بها الى الاقتتال، ولا تلتقي على أمر وحدوي فيه مصلحة لها أو لشعوبها، سواء كان تنسيقا سياسيا أو اقتصاديا، أو تحالفا دفاعيا ضد قوى الغزو، مثل ما تفعله كل دول العالم التي لا تجمعها روابط بل المصلحة، اما إن كان على سياسة محاربة الوحدة الإسلامية، ستجدها متفقة ومتحمسة، فتعقد المؤتمرات، وتنشئ المعاهدات، بل وتنخرط جماعيا وبأعلى درجات التنسيق في الأحلاف العسكرية الغربية المستهدفة للمقاومين لاحتلالاتها، وتجلى ذلك صريحا، من خلال مشاركتها جميعا وبحماسة عالية في الحملة الأمريكية على الإرهاب (الإسلامي حصرا)، فيما تقاعست واستنكفت حينما تعرضت مختلف أقطار الأمة الى اعتداءات مباشرة.
هكذا نرى أن استخدام مصطلح (الإسلام السياسي) هو تجزيئي، بهدف الاستفراد بالدعاة الاسلاميين الذين حاولوا تنظيم أنفسهم في جمعيات وتنظيمات لتوحيد جهودهم.
ولما كانت الأمة مجمعة على انتهاج العقيدة الإسلامية، فلا يمكن لمعاديها المجاهرة بنواياهم لاجتثاثها، فيلجئون الى تفكيكها لإضعافها، وأول وسيلة هي كشف الغطاء التضامني الشعبي مع الداعين لاتباعها.
في بدايات القرن استخدموا وسيلة اتهامهم بأنهم أدوات استعمارية، يعملون على اعاقة الأنظمة عن التقدم والارتقاء بأقطارها، فبطشوا بهم تحت مسمى محاربة الرجعية.
ولما انكشف زيف ذلك الادعاء، وخاصة بعد سلسلة الهزائم المصنوعة والتي كانت لتبرير عقد المعاهدات الاستسلامية مع الكيان اللقيط لتمكينه، تبين للشعوب أن الأنظمة هي المرتبطة بالمستعمرين الأوروبيين، جرى تعديل التسميات التجزيئية، فاعتبر المسلمون الخانعون لإملاءات الغرب والأنظمة الموالية له هم الإسلام المعتدل، الذي يقبلون بوجوده، أما الجهاديون من المقاومين لقوى الغزو فأطلقوا عليهم مسمى إرهابين.
وفرضوا على الجمعيات والتنظيمات الإسلامية شرطا لقبولها بتصنيف (المعتدل) أن تعلن براءتها من المسلمين الثوريين، بل وتوقف اي دعم أو تضامن معهم، ومن ماطل منهم أو تلكأ سمي بالإسلام السياسي، أي تلك الفئة المطرودة من رحمة الأنظمة الحاكمة لديار الإسلام، وأعطى الغرب الحرية لكل نظام بأن يتعامل معها حسب اجتهاده في المحافظة على الكرسي، فمنها من استغل تشريعات الغرب في محاربة الإرهاب (الإسلام)، فأسرف بالبطش، وأعمل فيها قتلا واعتقالا كالنظام المصري والسوري، ومنها من حظرها وحاصرها وعاقب من يتعاطف معها كالأنظمة الخليجية، ومنها من أبقاها بدرجات متباينة في المحاصرة وقطع مواردها البشرية والمالية، كباقي الأنظمة.
بعد الثورات العربية عام 2011 انحسر الغطاء الشعبي عن القوى السياسية القومية والماركسية بعدما أعلنت تأييدها للأنظمة، فلم يبق في الساحة غير من يطلق عليهم (الإسلام السياسي)، لذلك جاء هؤلاء مدد مجاني لم ينالوه بنضال ولا بتضحية.
هكذا أصبحت الصورة الحالية للواقع السياسي: تعاطف كاسح جماهيريا لمن يدعون لانتهاج الإسلام، والتسمية الأصح لهم هي التيار الإسلامي، فرغم أنه الممثل الوحيد لنبض الشارع، وعليه تعلق أمنياته، إلا أنه لا فعل سياسي له ولا تأثير، بل جل ما يناضل له البقاء على قيد الحياة، لذا لا وجود فعليا للإسلام السياسي.
القوة الوحيدة في هذا التيار المنظمة كحزب هي حركة “الإخوان المسلمون”، وهي لا تحظى بتأييد كاف لتقود هذا التيار، فسلبياتهم المتمثلة بالأنانيات التنظيمية، لا تختلف عن باقي الأحزاب السياسية.
لذلك فلن تصلح أحوال الأمة بالترقيع، بل عندما يقيض الله لهذا التيار من يلم شمله، والأمة مهيئة لاتباع المخلِص وتأييده