تحت الضوء

تحت الضوء
د. هاشم غرايبه

في آخرمقابلة لـ “نوال السعداوي”، تقول ان هذا قد يكون آخر حديث لها، تعترف بأن العلمانية مجرد وهم تستخدمه السلطة للسيطرة على المحكومين، وأنها ظلت طوال عمرها تطالب بفصل الدين عن الدولة، لكن الحقيقة أنه لا يمكن ذلك، فكل قوانين الدولة مستمدة من الدين.
ربما تمثل حالة “نوال السعدواي” نموذجا لكثيرين من الفلاسفة الملحدين الذين اعتقدوا أنهم بانتهاجهم للعلمانية يمكنهم تحييد الدين وإقصائه، لكنهم جميعا يصلون الى النتيجة التي وصلتها تلك الكاتبة التي احتفى بها الغرب كثيرا وأوسعوا لها المنابر كونها تنتمي الى العالم الإسلامي وإبنة أحد الأزهريين، وصفق لها أتباع الغرب من العرب، معتبرين مواقفها ضد الدين شجاعة وجرأة.
ربما أيضا بسبب التعتيم والسيطرة الثقافية لأساطين القوى المتجبرة الغربية، ربما ضاعت على الناس معرفة الكثير من المواقف الحقيقية لفلاسفة الغرب، فعتموا على المؤمنين منهم، فلم تصلنا أفكارهم، فيما سلطوا الأضواء على أفكار الملحدين منهم.
قد لا يعلم أكثر الناس أن “سقراط” شيخ فلاسفة اليونان والذي نال لقب الحكيم، كان موحداً ومؤمنا بالله.
لو بحثت عنه في المصادر الغربية لوجدت أنهم يصفونه بالإنفصال عن قيم مجتمعه وسخريته من الديمقراطية وكفره وزندقته، والتي أدت الى محاكمته وإدانته بتهمة إفساد أفكار الشباب والهرطقة، وتم سجنه ثم دسوا له السم فمات في سجنه عام 399 ق.م.
كان تلميذا لفيثاغورس، وربما كانا معا قد توصلا بالتفكير الفلسفي الحر الى حتمية وجود إله واحد وليست آلهة متعددة كما تعارف عليها قومه، لكن مما كتب عنه تلميذه “أفلاطون” يظهر لنا أنه ربما قد وصلته أفكاره الإيمانية من بعض الذين آمنوا بالدعوة الموسوية.
لم يكن يدون أفكاره، لكن مما نقله تلاميذه قوله: “ان أخص ما يوصف به الرب سبحانه، هو كونه حيا قيوما، لأن العلم، والقدرة، والجود، والحكمة، تندرج تحت كونه حيا قيوما، فهما صفتان جامعتان للكل، وهو حى ناطق من جوهره، أى من ذاته وحياته، ونطقنا وحياتنا لا من جوهرنا، ولهذا يتطرق إلى حياتنا ونطقنا العدم والدثور والفساد، ولا يتطرق ذلك إلى حياته ونطقه”.
لا يمكن أن يصدر هذا الكلام عن منكر لوجود الله، ونلاحظ كيف أنه اتبع المنهج الإبراهيمي العقلي في معرفة الخالق، فخالف قومه الذين يعبدون آلهة متعددة، لذا فهو أقرب إلى تصديق الرسل، ولهذا قتله قومه.
في العصر الحديث، ظل الفيلسوف البريطاني “أنتوني فلو” يعتبر أشرس فلاسفة الإلحاد، وألّف أكثر من ثلاثين كتابا يدحض فيها فكرة وجود إله، وقبل موته بثلاث سنوات، أي في عام 2007 أصدر كتابا نسف فيه كل ما جاء في كتبه السابقة، وكان عنوانه “هناك إله “There is God، وفي هذا الكتاب يقول: “بأن التعقيد العالي والمثير للدهشة في شريط الـ (دي آن أي) في الخلية الحية لهُ الدور الأكبر في أقناعهِ بأن هناك مُصمم عظيم، يشير كذلك بأن إتساع معرفتنا عن علم الكون والفضاء لعبت دوراً هاماً في أقناعهِ بأن هناك مُصمم ذكي وراء كل هذا الكون”.
وقد عزز كتابه هذا من قوة المنهج القائم على فكرة التطور الذكي، والتي تؤدي الى الإستنتاج بوجود خالق حكيم، وتنقض ما استند عليه الداروينيون (التطور الغبي)، الذين تمكنوا من فرضى رؤيتهم هذه بأسلوب رجال كنيسة العصور الوسطى، أي بالإرهاب الفكري لمخالفيهم وتخويفهم بالحرمان والمقاطعة.
نخلص الى أن الإنسان قد يشرّق ويغرّب طويلا في بحثه عن سر الحياة البشرية والحكمة من الوجود. لكنه في النهاية إن ترك المكابرة واتبع العقل المجرد من الهوى ..فسيعود لما فطره الله عليه وهو معرفة الله بالعقل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى