تجربة الرعب في لبنان وغزة وأفغانستان
د. فايز أبو شمالة
لم يوقع حزب الله في الجنوب اللبناني على أي تهدئة، ولم يوافق على وقف إطلاق النار مع #العدو #الإسرائيلي، لقد واصل الحزب حرب تحرير الجنوب حتى سنة 2000، في ذلك اليوم المشهود، حين أعلن أهود بارك رئيس الوزراء الإسرائيلي عن انسحابه من الجنوب مهزوماً مدحوراً، فقد أكدت الوقائع طوال سنوات المواجهة؛ أن الاحتلال عجز عن تحقيق تهدئة، أو فرض هدنة، أو تحقيق أي شكل من أشكال وقف إطلاق النار، وظل سيف المقاومة مسلولاً ومسلطاً على رقاب جيش جنوب لبنان العميل أولاً، وعلى رقاب ضباط جيش الصهاينة ثانية.
ولم توقع تنظيمات #المقاومة الفلسطينية في #غزة على أي تهدئة أو هدنة أو وقفٍ لإطلاق النار طوال سنوات انتفاضة الأقصى ـ الممتدة من سنة 2000 حتى سنة 2005 ـ لقد تواصلت المقاومة البدائية والشعبية حتى ذلك اليوم المشهود، حين أعلن شارون، رئيس وزراء إسرائيل عن انسحابه من غزة مهزوماً مدحوراً، لقد انسحبت الحكومة الإسرائيلية، وأخلت المستوطنات بعد أن عجزت ـ طوال سنوات انتفاضة الأقصى ـ عن الوصول إلى تهدئة، أو تحقيق أي شكل من أشكال وقف الاشتباك اليومي، وظل سيف الانتفاضة مسلولاً ومسلطاً على رقاب المتخاذلين والمشككين بجدوى الانتفاضة أولاً، وعلى رقاب المحتلين والمستوطنين.
ولم توقع حركة #طالبان في #أفغانستان على أي اتفاقية تهدئة، أو هدنة، أو وقفٍ لإطلاق النار على مدار عشرين عاماً، ظلت حركة طالبان تقاتل أعداء الشعب الأفغاني، دون ان تفكر بأي وقفٍ ـ ولو مؤقت ـ لإطلاق النار، يعطي للأعداء فرصة التقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الأوراق، فقد ظلت وتيرة الهجوم على أشدها، حتى ذلك اليوم المشهود من سنة 2021، حين أعترف جو بايدن الرئيس الأمريكي بالهزيمة، وأعلن عن انسحابه الكامل من أفغانستان مدحوراً مهزوماً، لقد ظل سيف الثورة الافغانية مسلولاً ومسلطاً على رقبة الحكومات الأفغانية العميلة أولاً، وعلى رقاب المحتلين بمختلف جنسياتهم.
ثلاث مدارس للمقاومة العنيدة، جسدت الدرس العملي لكيفية كسر المحتلين، ثلاث مدارس أفرزت جيلاً من الرجال القادرين على فرض إرادتهم على عدوهم، وعدم الانصياع لمقولة “موازين القوى”. ثلاث مدارس ثورية تفتح أبوابها لكل من أراد أن يتعلم الدرس، وأن يأخذ بناصية التحرر من المحتلين، وأن يركل مغتصبي أرضه بما يكرهون من مواجهات وتصعيد، ثلاث مدارس ثورية، حددت معالم المرحلة بالدم القاني، وهي تقول: كل هدنة أو تهدئة أو وقف لإطلاق النار مع العدو قبل انسحابه من الأرض المحتلة؛ يعني بقاء الأمر علي ما هو عليه، ويحقق مصلحة المحتلين أكثر بكثير من مصلحة مقاومي الاحتلال.
فهل قرأ قادة المقاومة في غزة ـ هذه الأيام ـ ما كتبه التاريخ عن مساوئ التهدئة؟ وهل استشرفوا من خلال تجاربهم النضالية أضرار وقف إطلاق النار؟ دون تحقيق النصر الكامل. وهل راجعوا كتب التاريخ العربي الحديث؟ وكيف ضاعت فلسطين ما بين هدنة ووقف لإطلاق للنار؟ وما بين زيارة موفد دولي، ولقاء مع بعثة إنسانية، وما بين التعاطي مع لجنة تقصي حقائق، ولجنة توثيق الأضرار، وبين لقاء مع وفد عربي يحمل البشائر، وداع وفد أجنبي لما يزل يغادر، فماذا كانت النتيجة من كل ذلك الحراك الذي جعل من الهدنة سلماً، صعدت عليه العصابات الصهيونية، لتسيطر بالقوة الغاشمة على أرض فلسطين.
لماذا لا تفكر غزة بالعيش تحت القصف اليومي؟ والنوم في حضن أزيز الطائرات، والتنفس من دخان القذائف، وتمسيد شعر الطفولة بدوي الصواريخ؟ لماذا لا تخوض غزة حرب التحرير طويلة الأمد، وبنفس غير متقطعٍ، والهدف المرصود؛ لا للتهدئة، لا لوقف إطلاق النار إلا بعد قطف الثمار، ولو أدى ذلك إلى ركوب الموج في أعالي البحار، والتجديف وسط الأخطار؟