تبحثون عن الأم المثالية…؟

تبحثون عن الأم المثالية…؟
جمال الدويري

لا ادري عن ثقافتها، ولا تعليمها ولا اصولها ومنابتها شيئا، ولكنني رأيت وسمعت وأدركت مثل بقية الدنيا، انها سيدة عظيمة، وابنة وطن عظيمة، والأم المثالية التي لم تبحث عن ظهور او شهرة او لفت نظر. لم تنظر في كاميرا، ولم تداعب خصلة شعر متدلية تود التسرب الى عين مشاهد او تقدير مخرج او فضائية ما، بل انها السيدة الوقورة انوارين الشامي، المرهقة من السفر، الخائفة من المجهول مثلنا كلنا، المنتظمة في طابور المنتظرين الذين وصلوا للتو مثلها الى رصيف الرهبة من الكورونا ووحشة البعد عن الأهل والأحبة، على شواطئ البحر الميت، ربما عطشة او جائعة مثل غيرها، ولكنها انتفضت مثل فينيق فز من رماد وغبار التعب والسفر، بل ثارت مثل كومة بارود مستها حرارة، فانفجر بها الوقار والصبر والصمت، عندما انتهى الى مسامعها ان وطنا تحبه وتهيم بترابه يتعرض بكل وقاحة الكون وجحود الأهل لهجمة شرسة باطلة لا تقوم على حق او موضوعية، عندما سمعت جاحدين افاقين منظرين، يلوكون اسم اردن بلغ شموخه الأفاق وحدود الأكوان، فتأثرت وتألمت وصرخت: اسكت…انا باحكي، لم تستنجد بالمعتصم، ولم تطلب لنفسها ماء او طعاما او راحة من سفر وارهاق، بل وجهت لاخوة يوسف النبي، صفعة العمر وما يستحقون من تقريع وتوبيخ وتمريغ، ان اصمتوا جميعا، اخرسوا جميعا، وكفاكم تلويثا لقميص الطاهر الشامخ المقدس، وارفعوا يوسف من غيابات الجبّ، ولم تنتظر انوارين الناصعة، بعض السيارة لتخليص يوسفها، ولم تتركهم يمعنون بالبكاء الكاذب لوالدهم.
حجار الأردن وتراب الأردن وزبالة الأردن، تساوي عندي الكون كله. بهذه الكلمات الصادقة، قارعت انوارين الجحود واللؤم والغطرسة.
ومال كرامتنا؟ سألت مستهجنة ذئبا اخر من العاوين، حاول التطاول على الوطن مستنكرا تواجد خير اجناد الأرض على عتبات المكان وحدود المرض الجائح، يحمون الضيوف ويحرسون خوفهم.
وتفوقت السيدة الفاضلة والأم وابنة الوطن وجندية الوطن، على نفسها، بالدفاع عن تخوم الأردن العزيزة، وهي تقول في مقام اخر وكونة اخرى: في الباص الى البحر الميت، راودني شعور راحة جميل وطمأنينة جميلة، مثل طفل يلوذ من امه الى حضنها، ويضمها وان ادّبته، غير مهتم بالقادم.
اعطتنا خنساءنا، انوارين، درسا بالوطنية والولاء والانتماء واقدام الفرسان، بالدفاع عن وطن كاد ان يضحي لقمة بين اشداق المتشدقين، وسولافة في احناك النمامين المفترين.
امرأة بألف رجل، لبؤة لم تخرمش طلبا لصيد يملؤ البطن، بل هجمت بكل شراسة الحق، تدفع الأذى عن وطن ومقام ومحراب صلاة مقدس، كاد ان يلوثه جَحود اثم، وقرعاء تتباهى بجدائل اليابان.
لا يسرا ولا ليلى ولا تنويرية عابثة، هي ضالتكم الجديرة بلقب الأم المثالية والأخت المثالية والوطنية المثالية، بل انها انوارين الشامي. شكرا سيدتي، فقد كنتينا كلنا، بالذود عن حياض وكرامة الوطن والعسكر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى