سواليف
نشرت مجلة “تايم” تقريرا لمراسلتها أرين بيكر، تتساءل فيه عما إذا كان القرار برفع الحظر عن قيادة المرأة في السعودية، هو إعادة تجديد أم ثورة.
ويشير التقرير، إلى أنه بعد دقائق من قيادة روان سيارتها، بصفتها متدربة في مدرسة للقيادة في الرياض، فإن السيارة بدأت تصدر صوتا مزعجا، وطلبت المدربة مريم منها أن تتوقف على قارعة الطريق، وبعد وضع علامات الخطر وطلبها المساعدة، قالت بعصبية: “لدينا أفضل سيارات في المدرسة”.
وتقول بيكر إنها كانت مرتبكة، خاصة أن مدرستها تعرضت لسمعة سيئة في العلاقات العامة، عندما وصل الصحافيون الأجانب إلى المدرسة لمقابلة المتدربات قبل أيام من رفع الحظر الذي طال انتظاره عن قيادة المرأة للسيارة، وبدلا من الطالبات فإن الصحافيين وجدوا المدربات يتظاهرن بأنهن طالبات، وعندما تم الكشف عن الحيلة، سارعت المدرسة بجلب عدد من المتدربات غير الجاهزات لمواجهة الاهتمام الإعلامي، حيث كانت روان، التي لم تتعلم القيادة ابدا، قد أجبرت على أن تشارك أول درس لها، وأول تعطل مع مراسلة مجلة “تايم”.
وتجد المجلة أنه “بالنسبة للسعودية، فإن هذه التمثيلية طرحت عددا من الأسئلة غير المريحة حول أن قرار رفع الحظر عن القيادة لا يهدف لتحويل المملكة الأصولية الرجعية إلى دولة حديثة، بل هو مجرد تحسين صورة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وقد تصادمت هذه الجهود مع الوقائع الصعبة على الأرض، من حرب اليمن الطاحنة، إلى المشهد الباهر في ريتز كارلتون، الذي تم تحويله إلى سجن راق لأقارب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ممن اتهموا بالفساد، وكان يوم القيادة في 24 حزيران/ يونيو يقصد منه أن يكون مناسبة علاقات عامة دون حوادث، فتم الإعلان عنه في 24 أيلول/ سبتمبر، من خلال التلفزيون الرسمي، وعبر مؤتمر صحافي في السفارة السعودية في واشنطن”.
ويلفت التقرير إلى أن “حرمان المرأة من قيادة السيارات ظل يعد لعقود دليلا على قمع المرأة السعودية، ولو كان المنع رمزا لأخطاء ارتكبت، فإن رفع الحظر يعني أن البلد يسير في الطريق الصحيح”.
وتعلق الكاتبة قائلة: “من هنا فإن يوم القيادة هو احتفال بسعودية ابن سلمان، وكان ذلك يعني أن يتم تنظيم احتفالات، ونساء تم اختيارهن وهن في دروس القيادة لالتقاط الصور، ولم يتم ذكر أي من الناشطات اللاتي كافحن خلال العقود الثلاثة الماضية يطالبن بحق المرأة أن تقود سيارتها، فضلا عن الجواب على أسئلة الصحافيين الأجانب حول ست ناشطات معتقلات”.
وتبين المجلة أن قرار ابن سلمان، الذي يوصف نفسه بالمصلح، سجن الناشطات المطالبات بالإصلاح، طرح أسئلة لجيل من الشابات السعوديات اللاتي يعتقد أن مستقبلهن في مهب الريح، وفيما إن كان الإصلاح حقيقيا أم عبارة عن حركة قصد منها إسكات نقاد النظام، تاركا عددا من الأمور الأخرى التي تهم المراة دون علاج.
وينوه التقرير إلى أنه بالنسبة لمريم موصلي (32 عاما)، وهي صاحبة شركة علاقات عامة في جدة، فإن المظهر ليس مهما، “عندما ترى امرأة سعودية تعيش في السعودية أن هناك فرصة فإنها ستقوم بانتهازها بالكامل.. وسواء كان مجرد خبطة إعلامية أم لا فهي خطوة كبيرة للأمام”.
وتنقل بيكر عن ريما، التي تعمل في معرض للسيارات، وتنتظر الفرصة لشراء سيارة “جيمس سييرا”، قولها إنها ليست متعجلة، وتريد أن تمنح الأخريات الفرصة للقيادة أولا ومشاهدة رد الفعل، ففي السعودية لم يتعود الرجال على رؤية المرأة وهي تقود السيارة في الشوارع، وتخشى من رد فعل الرجل غير المتوقعة، فتقول: “ماذا سيحدث لو أعجب رجل بي وأنا في سيارتي، واقترب مني وأخذ يضايقني وأنا أحاول تجنبه، ما سيعرضني لحادث، ولا أريد أن تصاب سيارتي بضرر”.
وتعلق المجلة قائلة إن “ريما هي المرأة التي يريدها ابن سلمان خلف مقود القيادة، وهي جزء من خطة لزيادة نسبة المرأة في سوق العمل، التي زادت منذ العام الماضي بنسبة 5%، لكنه زاد من الضرائب، وفتح دور السينما وحفلات الموسيقى، وهمش رجال الدين الذين (امتصوا المتعة من حياة الناس) كما تقول سعودية”.
ويرجح التقرير أن تستفيد المرأة من فتح الطريق أمامها، فالسعودية، التي يشكل فيها الشباب نسبة 70%، منهم 34% يعانون من البطالة، لا تمثل المرأة فيها كثيرا في سوق العمل، ولا تتجاوز نسبتها الـ22%، ويريد ابن سلمان زيادة النسبة إلى 30% بحلول عام 2030.
وتذكر الكاتبة أنه بحسب موقع “بلومبيرغ”، فإن رفع الحظر قد يضيف 90 مليار دولار للاقتصاد السعودي بحلول عام 2030، مشيرة إلى أنه من أجل زيادة نسب توظيف النساء فإنه يجب على ابن سلمان إقناع مواطنيه بالفكرة، حيث أشار في مقابلة مع “تايم” بداية العام إلى أنه سيرد على من يمنع المرأة من دخول سوق العمل، بأن زوجة الرسول محمد كانت سيدة أعمال.
وتنقل المجلة عن مديرة “غلوووركس” غيداء المطيري، قولها إن عدم قدرة المرأة على قيادة السيارة يعد من المعوقات أمامها لدخول سوق العمل، حيث كان عدم قيادتهن للسيارة سببا في تأخرهن عن مقابلات عمل مهمة، وتضيف أن السماح للمرأة بقيادة السيارة سيترك فرقا كبيرا.
ويشير التقرير إلى أن المرأة كانت حتى قبل القرار الأخير تعمل في القطاعات التي يمارس فيها الفصل بين الجنسين مثل التعليم، وفي عام 2011 بدأت الحكومة بتخفيف القيود على عملها، وسمحت لها بالعمل في المتاجر، محاسبات ومساعدات في البيع، حيث تقول المطيري إن البعض عارض هذه الخطوة في البداية، لكن الآن جميع من يعمل في مهنة المحاسية في سلسلة “كارفور” من الفتيات.
وتفيد بيكر بأن التغيير توسع إلى القطاع الخاص، حيث زادت نسبة العاملات فيه من 50 ألفا إلى 500 ألف، بحسب المطيري، لافتة إلى أن من مظاهر التغيير الأخرى هي السماح للمرأة بتقديم مواهبها الفنية، خاصة في السينما، التي سمح بفتح دورها، وعرض أفلام لم تكن متاحة.
وتورد المجلة نقلا عن عارضة الأزياء تليدة تامر، التي ستظهر على غلاف “هاربر بازار”، قولها: “لا يوجد ما يمنع السعودية أن تصبح عارضة أزياء، وعرضي للأزياء يغير نظرة السعوديين للمرأة، ويغير رؤية العالم لها”.
ويجد التقرير أن “الأثر الجانبي للقرارات الملكية هو أن التساهل ينتشر، وهذا مرتبط بإقبال السعوديين على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يوسع منظورهم حول ما هو ممكن، وقد فتح الباب وتريد المرأة السعودية الاستفادة”.
وتقول الكاتبة إن “السماح بفتح دور السينما كان من أكثر مظاهر التغيير الذي حظي باهتمام الغربيين، الذين لا يتخيلون الحياة دون حريات، إلا أن تحديد قوة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان له أكبر الأثر في نزع الخوف، خاصة أن سلطتهم تتضمن التوقيف والاعتقال لأي سبب، ولا تزال لديهم سلطة الوعظ لكن الخوف منهم زال، وهذا ظاهر في شوارع الرياض، حيث الألوان الزاهية للعباءات بدلا من العباءة السوداء”.
وتستدرك المجلة بأنه رغم الولاء الذي حصل عليه ابن سلمان من المرأة، إلا أن الكثيرات يسألن عن بقية الحقوق، حيث تقول إحداهن: “أعلم أن المرأة لها حقوق، إلا أن حرية التعبير تظل منطقة رمادية، ومن الخطير التعبير عن رأيك حتى لو في دعم الحكومة”.
ويؤكد التقرير أن “المرأة استطاعت أن تكشف عن خصلات شعرها، وفتح عباءتها، لكنها لا تزال تخشى من الكلام، ومن المفارقة أن النساء اللاتي طالبن برفع الحظر عن قيادة السيارة لم يشاركن في الاحتفال، ووجدن أنفسهن خلف القضبان، وهن من تحدثن للإعلام الأجنبي وتوعية النساء بشأن حقوقهن، وهن النساء اللاتي تحدثن عن احلامهن وأفكارهن حول بلد أفضل، ولم يعدن يتحدثن للإعلام، ويخفن من أن ينسب أي تصريح لهن”.
وترى بيكر أن “هناك الكثير الذي يجب تحقيقه قبل أن تكتشف المرأة إمكانياتها وتشارك بشكل كامل في المجتمع، ففي الوقت الذي تحصل فيه اليوم على وظيفة دون إذن أي من أفراد العائلة، فهي لا تستطيع السفر أو الزواج دون مواقفة ولي أمرها”.
وتختم “تايم” تقريرها بالقول: “يواجه الجيل الجديد من السعوديات سؤالا مصيريا: هل من الأفضل القبول بالتغيير بوتيرة تحدد لهن من فوق؟ أم أن من الأفضل المخاطرة والمطالبة بالتغيير؟ والجواب لا، حيث تقول ناشطة سابقة: (هناك شعور بأننا حصلنا على أكثر مما يجب؛ وظائف، وتحرر من سلطة الشرطة الدينية، وحق قيادة السيارة، ولا أحد يستطيع المطالبة بأكثر من ذلك”.
عربي 21