#تأملات_قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 73 من سورة الأنفال: “وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ”.
ذهب بعض قدماء المفسرين مثل ابن كثير والبغوي وغيرهما، الى أن مقصد الله تعالى بالضمير (الهاء) في قوله “إِلَّا تَفْعَلُوهُ”، عائد الى أن المواريث يجب أن تكون بين المؤمنين (المهاجرين والأنصار) بناء على أن القربى في الإيمان أولى من القربى في الرحم، مستندين الى قوله تعالى في الآية التي سبقتها: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ..”.
لكن القرآن الكريم لم يتنزل لمعالجة حالات آنية فقط حدثت ولا تتكرر مثل الهجرة من مكة، بل أحكامه عامة قائمة الى آخر الزمان، لذلك فالولاية لا تقتصر على التوارث بل على التلاحم العضوي كالجسد الواحد.
سأتوقف عند النقطة الأهم وهي التحذير الوارد من الفتنة والفساد، ماهي طبيعتهما وخطورتهما!؟.
الأصل في تعريف الفتنة هو الإبتلاء والإختبار، لكن جاءت في القرآن الكريم بدلالات كثيرة متفرعة من الأصل، منها الوقوع في المعاصي والنفاق: كما في قوله تعالى في حق المنافقين: “وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِي” [الحديد:14]، كما جاءت بمعنى الإضلال كما في قوله تعالى: “ومن يرد الله فتنته” [ المائدة:41]، وجاءت بمعنى اختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم كما في قوله تعالى: “وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ” [التوبة:47].
ولما جاء اقتران الفساد الكبير بالفتنة، فالمراد هنا التنبيه الى خطورة الأمر، فالفتنة تؤدي لفساد عظيم، لأن الضرر العام يصبح شاملا مدمرا للمجتمع بأكمله، لذا علينا أن ندقق في هذا الأمر الجلل الذي حذرنا منه رب العزة، عسى أن يفسر ما نحن فيه حاليا.
لو تأملنا في السياق الذي جاءت فيه هذه الآية، لوجدنا أن الفتنة التي تناولتها لا تتوقف على المواريث فقط، بل متعلقة بموالاة الكافرين وتقديم هذه العلاقة الودية على موالاة المؤمنين، وهذا الأمر ليس مقتصرا على حالة المهاجرين والأنصار التي حدثت مرة وانتهى زمنها، بل هي حالة متجددة عبر العصور والأزمان.
إذاً نفهم من هذه الأية سوء عاقبة عدم الأخذ به، فلو استعرضنا ما ينال الأمة في هذا الزمان لوجدنا أنه تماما ما حذرنا الله منه، فالفتنة التي حذرنا منها رب العزة حاصلة الآن في كل أقطار الأمة، حيث تقيم كل دولة من أقطار الأمة بلا استثناء، علاقة تحالف ثنائية عسكرية مع أعداء المسلمين، بعضها معلن وبعضها خفية عن الشعب.
قد تكون العلاقات التجارية والثقافية بين الدول ضرورة في هذا العصر، لكن ماهي ضرورات التحالفات العسكرية غير الإحتماء من عدو متربص؟، لكن ليس من عدو يتربص بهذه الأمة الدوائر غير القاعدة العسكرية التي أقامها الغرب في قلب ديار الأمة وسماها “إسرائيل”، فهل يعقل أن تعقد التحالف معه ذاته، أو مع من يحميه ويرعاه!؟.
إذاً فهذه العلاقة ليست لتحقيق مصالح متبادلة، بل هي موالاة وتبعية للذين كفروا، وهي عين الفتنة عينها التي حذرنا الله منها، والفساد الشامل المتحقق من ورائها.
فهل هنالك فتنة أشد مما يحدث في كل أرجاء أمتنا هذه الأيام، حيث بات بعضها يموج في بعض، والموت يومي كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لماذا يقتل، ولا المقتول فيم قُتل.
وهل واجه الأمة فساد عمّ وشمل كل شيء، أكثر مما عرفته في هذا العصر، حيث تجد خيرات الأمة عميمة وأرزاقها وفيرة، لكن الجوع وضنك العيش يسود كل أرجائها، وترى أموال الأمة الطائلة تتكدس في مصارف الغرب، فيما الفقر والحاجة يلهبان بسياطهما ظهور الفقراء والمعوزين.
أليس في هذه الآية ما تغنينا عن تحليلات المحللين وتفسيرات الخبراء، فقد وصفت الداء والدواء.
هكذا نجد في كتاب الله توصيفا لجميع علل الأمة وأمراضها، وفي كل عصر وأوان، ووصفة للعلاج الشافي ..فهلاّ تدبرنا آياته، بدلا من اللجوء لدجالي صندوق النقد ومشعوذي السياسة!؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى