تأملات_رمضانية

#تأملات_رمضانية
د. هاشم غرايبه
في #سورة #الكهف #فضائل عظيمة، وحكم بالغة، وهي من أواخر السور المكية، وترتيبها في النزول التاسعة والستون، وتتميز عن باقي السور بأن الله ذكر فيها أربعا من #القصص لم يذكرهن في غيرها من السور، وهي قصة أصحاب الكهف، وقصة صاحب الجنتين، وقصة موسى والرجل الصالح، وقصة ذي القرنين.
وتتميز هذه القصص بأنها لم تكن عن #الأنبياء و #المرسلين وإحوالهم مع أممهم كالقصص في السور الأخرى.
كما أنها تحوي بعضا من الأمور التي تستغلق على فهم البعض، فكانت قصة الرجل الصالح مع موسى عليهما السلام لتبيان أن العقل البشري لا يمكنه أن يكون حكما في التمييز بين الحق والباطل ولا بين الخير والشر، فمعرفته نسبية وليست مطلقة، لذلك قد لا يلم بكل الحكم الإلهية، ولا الإحاطة بمرامي القضاء والقدر، لأنه لا يعلم الغيب، لذا فلا يمكنه يمكنه فهم ما لا يمكنه الإحاطة به: “وكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً”.
في قصة ذي القرنين، اعتقد بعض المرجفين أنهم وجدوا فيها مأخذا على القرآن الكريم، في قوله تعالى: “حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ” [الآية:86].
د. ويليام كامبل واحد من المستشرقين الذين كرسوا جهدهم لمحاربة الإسلام، يقول في إحدى محاضراته: القرآن يعتبر الشمس قرصا وعند الغروب يسقط في عين طينية..فكيف يستقيم ذلك مع مفهوم العلم؟.
بداية يجب أن يكون مفهوما أن القرآن كتاب هداية للبشر تضمن أسس العقيدة وما يلزمها من معلومات غيبية لن يتمكن العقل البشري من الإحاطة بها مهما تقدمت معارفه، إضافة الى التشريعات لتنظيم حياة وعلاقات الأفراد والمجتمعات في كل زمان ومكان.
أما المعلومات العلمية الواردة فيه عن حقائق الكون والمخلوقات، فهي صحيحة، بدليل أنه لم يتمكن أحد من نقضها، لكنها لم ترد بهدف المرجعية العلمية، بل لإثبات مرتكزات العقيدة، وترك للعقل البشري استكشاف القوانين الطبيعية، ومعرفة القوى المكنونة، وفق ما أودعه الله فيه من قدرات تؤهله لذلك، واستثمار هذه القوى المسخرة لنفعه في استخدامات مفيدة.
من المنطقي أن لا يذكر القرآن أمورا لم يصل البشر الى معرفتها في عصر التنزيل، فلو قال بصريح العبارة مثلا أن الشمس أضخم من الأرض أكثر من مليون ضعف وأن الأرض هي التي تدور حولها، لن يؤمن أحد بالدين، بل لن يبقى كثير من المؤمنين على إيمانهم!؟.
إذاً، اقتضت حكمة الله أن لا يذكر القرآن الحقائق العلمية الصادمة لمفاهيمهم، بل يُضمنّها في سياق الآيات تضمينا، بحيث يفقهونها أولا بأول، وبحسب تقدمهم في العلم، فلا يقرهم على فهمهم ان كان خاطئا، ولا ينقضها لأن ذلك يحتاج دليلا من علم متقدم لما يصلوه بعد.
ولما كان النص القرآني ثابتا لن يتغير، لذا اعتمد على الإعجاز البلاغي، فيكون النص محتملا عدة طبقات من المعاني، لكي يتطور الفهم كلما تقدمت معارف المؤمنين، وبذلك يتطور التفسير والنص ثابت، والحالات الحرجة يتجاوزها من غير أن يؤكد معارفهم الخاطئة حينئذ.
وهذه الآية مثال على ذلك، فغروب الشمس يقال للزمان والمكان، فنحن الآن ومع علمنا أن الشمس لا تشرق ولا تغرب فعليا، بل ذلك يتحقق ظاهريا بفعل دوران الأرض حول محورها، إلا أننا ما زلنا نقول أن وقت الغروب كذا والشروق كذا، ونشير الى جهة الشرق ونقول أن من هناك تشرق الشمس، ولا أحد يتهمنا بالجهل ولا بأننا نخالف العلم.
أما قصة غروبها في عين طينية، فالمستشرق لم يتنبه الى معنى (وجدها)، فلم يقل تعالى (هي تغرب) وإلا لكان قرر حقيقة، فلفظة (وجدها) ليست تقريرا لحقيقة الأمر، بل هي إخبار عن فكرة دي القرنين عن حالة الغروب، وتصوره أن أفق البحر المتلون بالشفق الأحمر وكأنه عين مشتعلة، والشمس تغطس فيه.
هذا مثل على الإعجاز البالغ في الصياغات القرآنية، التي جاءت محكمة، حتى لا يجد فيها مجادلٌ ثغرة تتعارض مع علم الناس في أي عصر، سواء كانوا فيه متخلفين علميا أو متقدمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى