تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 211 من سورة البقرة: “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ”.
تحدد هذه الآية المتطلبات الأساسية للإيمان، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله.
ولأن الله تعالى يعلم أنه سيكون من أتباع بعض الرسل من يؤمن برسالته ويكفر برسالات أنبياء آخرين، لذلك أتبع هذه المتطلبات بشرط أساسي وهو عدم التفريق بين الرسل، بل الإيمان بما جاءوا به جميعا، لأن مضمون رسالاتهم حميعا واحد.
وهي الى جانب عنصرين آخرين ذكرا في آيات أخرى، وهما الإيمان باليوم الآخر والقدر، تشكل عناصر الإيمان الست، التي لا يعتبر المرء مؤمنا الا إن آمن بها جميعا.
من الضروري التأكيد على هذه الحقيقة الأساسية، لأجل الرد على الذين يفرقون الدين، فيقولون أن رسالة هذا النبي أو ذاك، شأن خاص بمن قالوا أنهم يتبعونه، ولا يجوز لغيرهم الحديث فيه.
بل كل الانبياء ورسالاتهم وكتبهم هي شأن للمؤمن ولاهتمامه، ولما كانت الرسالة الخاتمة جاءت شاملة لكل ما جاء فيما سبقها من رسالات، فالإيمان بها شرط أساسي لكل أتباع الرسالات السابقة، لمن أدركها، أما من لم يدركها منهم، فإيمانه يتحقق بمقدار اتباعه لتلك الرسالة كما نزلت ومن غير اتباع تحريفها.
بناء على ما سبق فإن المسلم يؤمن بالمسيح وبموسى عليهما السلام، ويجل قدرهما، وقدر جميع الرسل بالمقدار ذاته، لأنهم جميعا جاءوا رحمة من الله للبشرية، ولذلك في هذا اليوم الذي يعتقد أنه تاريخ ميلاد المسيح، وبغض النظر عن مدى الدقة بتحديده نتمنى لجميع المؤمنين الخير، وأن يعيد هذه المناسبة وهم الى الله أقرب، والى ترك الطقوسيات والتمسك بعناصر الإيمان الست أكثر.
من أكثر الضلالات التي وقع بها البشر، هي تحوير الشعائر الدينية التي أنزلها الله الى ممارسات طقوسية تغير المعنى الذي أراده الله من تلك الشعيرة.
فقد شرع الله العيد كمناسبة احتفالية يفرح بها الناس كيوم مختلف عن باقي الأيام، لكن هذا الاحتفال ليس بهدف الترويح عن النفس وادخال البهجة وتمتين العلاقات الاجتماعية فقط، بل هو للتذكير بتلك المناسبة الإيمانية، وإعادة موضعة النفس التي قد تكون مشاغل الحياة قد ألهتها عن واجبها الأول تجاه خالقها.
في تعليمات العقيدة الإسلامية شرع الله عيدين: يوم الفطر ويوم النحر، وفي العقيدة النصرانية شرع الله عيدا واحدا هو عيد المائدة: “قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ” [المائدة:114]، وكان ذلك طلبا من المسيح لربه، تلبية لرغبة الحواريين، فأجابه تعالى لطلبه غير أنه وضع شرطا وهو أنه بعد أن يروا هذه الآية فان من يكفر سينال عذابا أشد من الكافرين بالرسالات الأخرى: “فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ”.
لكن أين هم من يحتفلون بهذه المناسبة التي أرادها المسيح عليه السلام عيدا يحتفل بها أتباعه الحواريون، وكل من سيتبعهم “وَآخِرِنَا”، وبالطبع سيكون آخرهم هم من سيدركون زمن الرسالة الخاتمة، حيث يفترض – وبحسب ما أوصاهم – باتباعها.
كان أول التحويرات عندما توقف النصارى الأوائل عن الاحتفال بهذا العيد خوفا من انكشافهم كونهم كانوا محاربين من الرومان، وعندما توقف “قسطنطين” عن محاربة معتنقي النصرانية، ووجد أنه لن ينجح باستئصالها، وأن مصلحته السياسية تتطلب مماشاتها بدل معاداتها، فحورها لتتوافق مع معتقده الوثني، وأدخل عليها كثيرا من التقاليد الوثنية مثل عقيدة تعدد الآلهة (التثليث)، والاحتفال بمولد إله الشمس الذي كان الأوروبيون يحتفلون به في يوم الانقلاب الشتوي الذي يبدأ فيه النهار بالزيادة، فكان أن جعل هذا العيد احتفالا بمولد المسيح، رغم أن الدلائل الأقوى أنه كان في فصل الخريف، كما أدخل عليه كثيرا من الشعائر التي كانت الأقوام الأوروبية تقدسها، مثل شجرة الصنوبر (التي لا توجد في فلسطين بل في شمال أوروبا)، والمغارة التي تؤوي الخراف من الثلج (والثلوج لا تنزل في بيت لحم)، كما أنه ولد حسب ما ذكر القرآن في ربوة شرقي بيت لحم وبجوار نخلة، وهو ما ينبت في تلك المنطقة وليس في مغارة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى