
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآيتين الخامسة والسادسة من سورة الشرح: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا “.
جاء قوله تعالى هذا في سياق تعداد النعم التي اختص رسوله الكريم بها، ثم جاء بهذه النعمة العامة لكل البشر، والتي هي واحدة من سننه الكونية، وهي أن كل عسر يصيب شخصا أو جماعة أو أمة، يرافقه يسر وانفراج لذلك العسر، بمعنى أنه حالة مؤقتة نتيجته المؤكدة هي الفرج.
أهم ما يستوقف المتأمل في هاتين الآيتين هو الملمح اللغوي البلاغي في أربعة مواضع:
1 – في استعمال فاء العطف: وهي تفيد العطف اللصيق، مما يدلنا على أن العسر والضيق الذي أصاب نبينا الكريم في بداية الدعوة كان معه ومرافقا له يسر، ويتضمن ثلاث إنعامات جليلة وهي: أن شرح الله صدره للإيمان فاستوعبه وارتاحت به نفسه، كما غفر الله له ما سلف من أوزار قبل ذلك، وثالثها أن رفع الله ذكره وأوقع محبته في قلوب الناس في جميع العصور والأزمان، الى مرتبة لم يصلها أحد من البشر، فليس هنالك في التاريخ من نال محبة الناس وتقديرهم مثله، فلا مجد يعلو على هذ المجد.
وجاء ذلك للتسرية على رسول الله جراء ما لاقاه من عنت وأذى من قريش.
2 – التكرار: وهو ليس تكرارا ،إذ جاءت الأولى المرتبطة الفاء لتفيد ملازمة الحالة، أي أنها متعلقة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الثانية فجاءت لتعميم الحالة، وبيان أنها سنة كونية عامة ماضية في الناس جميعهم.
3 – وهي لغوية: تمثلت بذكر العسر بالتعريف، واليسر بالتنكير، ومعروف عند العرب أنه اذا جاء أمر معرفا في جملتين متتابعتين، فإنه يفيد أنه أمر واحد، كأن تقول: رأيت الرجل ومعه ولد في السوق، وتحدثت الى الرجل طويلا، فيعني ذلك أن الرجل الوارد ذكره في الجملتين هو ذاته.
وأما ما يرد بالتنكير فهو قد لا يكون ذاته، مما يعني أن العسر قد يكون معه يسر بأشكال مختلفة.
4 – في استعمال مع: والتي تعني المعية، بمعنى أن العسر يلازمه ويرافقه يسر، وما تأخره عنه زمنا قد يطول أو يقصر إلا لتحقيق السنة الكونية الأخرى بالابتلاء لامتحان ايمان المرء بالسنّة الأولى وصبره على العسر الى حين انجلائه المؤكد.
قد يتساءل ساذج، لماذا العسر طالما أنه زائل، للعسر حكمة في أن الشدة تصقل النفس وتقويها مثلما يقوى الفولاذ وترتفع مواصفاته بالنار والسقي، إضافة الى أنه لا يحس المرء بقيمة نعمتي الرخاء والصحة إلا بالمعاناة والتعرض لضدهما.
بمناسبة هذا الحديث لا بد من الرد على الشبهة في قوله تعالى: “وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ” [الزخرف:84]، فتساءل بعض المرجفين المكذبين، لماذا وردت (إله) بالتنكير، ألا يعني أن اله الأرض غير إله السماء؟، أوليس الأولى أن تكون معرفة أي بلفظة (الإله) لتدل على أنه هو الاله ذاته؟.
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله أننا جلسنا جماعة من العلماء ساعات نتباحث في الأمر، فلم نتفق على رأي، الى أن حضر شخص ملامحه قروية، فوقف بالباب وقال: يا شيوخنا انتبهوا الى كلمة (الذي) الواردة، وفعلا كانت بها الاجابة، فكانت بلاغة القرآن في استعمال الموصول (هو الذي) التي تفيد التعريف والتخصيص أيضاً، فجاءت معرّفة بالإله ومحددة أنه هو ذاته، وأقوى دلالة مما لو جاءت لفظة (إله) معرفة بأل التعريف.
ويكمل الشعراوي قائلا أننا هرعنا الى الخارج لنعرف هذا ارشدنا الى ما غفلنا عنه، فلم نجد له أثرا فأيقنا أنها هداية من الله أرسلها لنا بصورة هذا القروي، فسجدنا جميعا شكرا لله.

