تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 171 من سورة النساء: “يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا “.
هذه الآية موجهة تحديدا الى اتباع الرسالات السابقة للرسالة المحمدية، وهي تسقط ابتداء حجة القائلين بفكرة الاديان السماوية، وبأن الله أنزل على البشر أديانا سماوية متعددة، فالدين عند الله واحد لكنه أنزل حسب الحقب الزمنية شرائع على أقوام فيها اختلافات بسيطة لاختلاف الأقوام والأزمنة، إنما المبدأ العقدي واحد وهو التوحيد، بدليل قوله تعالى في الآية الوحيدة التي أنزلها على رسوله الكريم خارج الجزيرة العربية، وهي التي أنزلها عليه ليلة أسرى به الى المسجد الأقصى: “وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ” [الزمر:45]، حيث أنه التقى في تلك الليلة بجميع الأنبياء والرسل، وأمّهم في المسجد الأقصى، وذلك ليطمئن الله رسوله الكريم أن ما دعوا اليه جميعهم هو ذاته ما كلف هو بالدعوة اليه.
تتألف هذه الآية من عدة عناصر أهمها:
1 – أن القرآن ليس موجها الى اتباع الرسالة الخاتمة فقط، بل الى الأمم جميعا، بمن فيهم من أنزلت عليهم الرسالات السابقة، ولكل العالمين فيما بعد، أي أنه كتاب الله الناسخ لما قبله، والمغني عن ما يستجد من شؤون البشر الى يوم الدين.
2 – ومن ضمن ما أراد الله أن يبينه لأهل الكتاب هو غلوهم في الدين، مثل ابتداعهم الرهبانية (عدم الزواج) التي لم يأمرهم الله بها، والافتراء على الله (قولهم ان الله أمرهم بهذا)، والتحوير لما دعاهم إليه أنبياؤهم.
لذلك لا سند لمن يقولون بأن أمر الله للمؤمنين بالتصديق بالكتب السابقة وعدم التفريق بين رسله، يعني تقبل المعتقدات التي وجدوا عليهم أتباعهم، وعدم مناقشتها، وانه “كل على دينه ..الله يعينه”.
بل يجب تبيان أوجه ذلك الغلو والتحريف، ومحاججتهم فيما كذبوا فيه على الله وعلى رسله، وأهمها قولهم ان المسيح هو ابن الله المنجنب، فالله هنا يدحض ذلك، ويؤكد أنه تعالى ما اتخذ صاحبة ولا ولدا.
وحتى المنطق العقلي ينقض ادعاءهم ذاك، فالإله الحي الذي لا يموت ليس بحاجة الى أولاد أصلا، لأن الولد يكون للبشر لأنهم يكبرون عمرا وتضعف قدراتهم، فالولد يعينهم في شيخوختهم، كما أنه يبقي ذكرهم بعد موتهم.
3 – عقيدة التثليث التي يتبعها أغلب متبعي رسالة المسيح معتقد باطل، فمن مواصفات الاله أنه متفرد في الملك والحكم، وتقاسم السلطات والقدرات مفهوم بشري، موروث من فكرة تعدد الآلهة عندما كان الانسان قبل الهدى يعتقد أن كل قوة من قوى الطبيعة يتحكم فيها أله مختلف.
كما أنه ليس هنالك نص صريح واحد في الانجيل يقول فيه المسيح أنه هو الله ذاته أو انه ابنه المنجب ، ولا يوجد أي نص يأمر فيه المسيح أتباعه بعبادته، بل بعبادة الله وحده، وإنما طلب منهم أن يكونوا أنصاره الى الله ويتبعوا الدين الذي دعاهم اليه وهو الاسلام: “فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” [آل عمران:52].
وأخيرا فان الله عندما أكرمنا باختياره إيانا أمة التبليغ، فواجبنا أن نصدع بأمره تعالى، ونبين الحق للآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى