
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في بداية سورة الممتحنة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ . إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ “.
رغم أن هذه الآيات نزلت في مشركي قريش، إلا أن الأحكام الواردة فيها يمكن أن تنسحب على واقع المسلمين في ازمان قادمة، لذلك سنبحث فيما يلي عن التطابقات مع زمننا الراهن، ونستخلص من أحكامها ما يمكن أن يعطينا من حلول لما نحن فيه، ويهدينا الى الى سبل التعامل مع أعدائنا، ولعل الله أن يكشف للواهمين في اعتقادهم أن منهج الأنظمة الحاكمة الذي تنتهجه بهذا الخصوص فيه حكمة وخير لهذه الأمة.
ما نزل نهي الله تعالى عن موالاة أعدائه الذين هم قطعا أعداء المسلمين، إلا لأنهم ما عادوهم إلا لاتباعهم منهجه، بدليل أنهم ما أخرجوهم من ديارهم إلا لأنهم آمنوا بالله واتبعوا ما أنزله على عبده ورسوله.
وكذلك معادو أمتنا في هذا العصر، فما أقاموا الكيان اللقيط شفقة ومحبة باليـ.ـهود، بل بهدف أن يبقى هذا الكيان شوكة دامية في قلب أمتنا، ليسهل عليهم تفتيتها وإضعافها، لمنعها من نشر الدعوة التي يخشون أنها ستنتشر في بلادهم، وليس كما يتوهم البعض للسيطرة على مقدراتها ونهب خيراتها، فذلك متحقق بشكل كامل ومنذ مائة عام بفضل تقسيمة سايكس بيكو.
هؤلاء الأعداء يعلمون أنه لا خوف على مصالحهم من هذه الأنظمة، وهم لا يخشون تغير هذه الحالة الا ان توحدت الأمة من جديد، وما يوحدها غير القاسم المشترك الذي تتفق عليه كل شعوبها، وهو منهج الله، وذلك ما يرعبهم، لأن بإمكانهم إبقاء الفارق في التسلح هائلا بينها وبينهم، لكن الروح الجهادية التي ينشئها هي السلاح الوحيد الذي لا يمكنهم قهره، ورأينا ذلك عمليا في ترتيب الغارة على قطر بهدف اغتيال قادة المقاومة الإسلامية، التي يرونها ستحيي هذه الروح من جديد في الأمة، ويشعرون أنها ستهدم كل ما فرضوه على الأمة خلال القرن الماضي.
فرغم أن قطر من أقرب الحلفاء لهم، وقد حققت لهم دورا هاما في التوسط لحل مشكلات دولية كثيرة، والتزمت بتعليمات منهم باحتضان الإسلاميين، لكي تبقى النافذة الوحيدة التي يمكنهم عبرها من التواصل معهم عند الحاجة لذلك، لم يستوقفهم كل ذلك، ولم يخشوا مخاطر فقدانهم الدور القطري النافع كثيرا، بل أنساهم طمعهم في التخلص من عدد كبير من قيادات المجاهدين، أنساهم حذرهم ومصالحهم.
هنا نعود الى كلام الله، ولكون الخطاب ابتدأ بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، فهو أمر واجب التنفيذ، وليس مجرد توجيه، وباستعمال (لا الناهية) نفهم مدى قوة الأمر، وأنه لا حيثية فقهية تجيز مخالفته، بذريعة تغليب درء المضار على جلب المنافع، ولا التقية ولا المداراة.
من هنا فالحكم الشرعي في موالاة الأعداء، وإقامة علاقات ودية معهم، وعقد معاهدات تحت مسمى المصالح المشركة، كل ذلك مخالفة لأمر الله.
مما حدث ويحدث، نستخلص الحكمة من أمر الله، فهو أعلم بمصلحتنا، لذلك فلا نطمع بأن ينصرنا الله ونحن لا ننصره، بل نخالف أمره.