تأملات إيمانية

#تأملات إيمانية
د. هاشم غرايبه

سألني أحدهم: إنك لا تفتأ تدعو الى التمسك بالدين على أنه وسيلة للسعادة الفردية والإرتقاء المجتمعي، لكننا نرى الآن غير #المسلمين قد حققوا ذلك من دون #الدين، بل هم متفوقون على المسلمين بدرجات.
وأقول إن المسلمين هذه الأيام لا يحتاجون لمن يقنعهم بالدين، فهم يعلمون أنه #الحق من عند ربهم، لذلك يتبعونه بقناعاتهم، وأغلب البشر من غير المكابرين مؤمنون بوجود الخالق، فمن امتلك الملكات العقلية، يتوصل بقليل من التأمل الى الإيمان بوجود الله، ومن آمن سيصل حتما الى الإقتناع بالدين.
الدين ثلاث درجات: الإسلام والإيمان والإحسان، لكن المشكلة في أن أغلب المسلمين دخلوا الدين بالوراثة، ومن لم يطور تدينه عقليا يبقى في المرتبة الأولى وهي (الإسلام)، ولا يصل الى الثانية ( #الإيمان )، وهو حتما لن يرتقي الى المرتبة العليا (الإحسان)، أما الذي يعتنق الإسلام عن طريق العقل، فيبدأ فورا من مرتبة الأيمان.
لذلك يظل فهمُ أغلب عامة المسلمين لمناطات التدين قاصراً، يرونه مجرد تعبد وترصيد حسنات تنفعه يوم الحساب فقط.
التدين لا يبدأ إلا في المرتبة الثانية، وفيها يكون التقوى الذي يميز المتدين، أي العبادة التعاملية، التي تصبغ معيشته الدنيوية بالصدق والأمانة..الخ.
مع أن القرآن كتاب الله للمسلمين، لكننا لا نجد فيه خطابا واحدا بصيغة (أيها المسلمون)، فدائما ما يكون بصيغة (يا أيها الذين آمنوا) والتي وردت 88 مرة، ومرة واحدة (أيها المؤمنون)، وفيها جميعا توجيهات وأوامر ونواهي.
هكذا نفهم أن الإسلام بمجرد النطق بالشهادتين يماثل قبول الطالب في كلية الطب، لكنه لن يسمى طبيبا إلا اذا اجتهد واجتاز الإمتحانات.
لذا عندما يصل المسلم الى المرحلة الثانية (الإيمان)، يتحقق فيها التكليف والعناية: “قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ” [الحجرات:14]، واستجابة المؤمنين (فرديا ومجتمعيا) لتلك التوجيهات التي وردت في آيات الخطاب التسع والثمانين، هي التي تؤهلهم لأن يكونوا خير أمة أخرجت للناس.
أغلب المسلمين الآن ما زالوا قابعين في المرتبة الأولى، ويعتقدون أن التدين أفعال تنحصر بأداء العبادات الشعائرية، ومظاهر دالة عليه تتجلى بالألتزام بالبزي والشكل الخارجي الذي كان سائدا أيام الدعوة.
ما جعل المسلمين الأوائل خير أمة أخرجت للناس، أنهم كانوا يُمتحنون بالعبادات المكلفة، مثل الجهاد والزكاة، فمن استجاب فقد انتقل الى المرتبة الثانية أو الثالثة، ومن تقاعس فقد نقل نفسه من صفوف (الذين آمنوا)، الى صفوف (المنافقين).
في زمننا هذا ليس هنالك دولة تقيم الإسلام فتُمحّص المؤمن من المنافق بالجهاد والزكاة، فلا يصح اعتبار المسلمين المعاصرين نموذجا معبرا عما يمكن أن يفعله الإسلام في النفوس.
أما عن الأمم المتقدمة والمزدهرة بغير الدين، فذلك أنهم حققوا مرادات الدين من إقامة العدالة واحترام حقوق الناس، وباجتهادات بشرية مشتقة أصلا من مبادئ الدين القويم، فذلك حقق لهم رخاء الحياة الدنيا.
لكن للإنسان حياتين، في الدنيا والآخرة، والعلم الذي حقق لهم السعادة في الأولى كان متعلقا بظواهر الحياة وليست بحقائقها، والتي هم لها منكرون، لأنهم عن تلك الحقائق المغيبة عنهم غافلون، رغم أن المنطق يفترض بهم إدراك أن هذا المخلوق المميز بين كل الكائنات بالعقل، لا يمكن أن تؤول كل أعماله الجليلة أو الخسيسة الى الصفر بمجرد موته، فهو إذاك لا يختلف عن الحيوان.
وأين منطق العدالة التي نراها في كل جزئيات الحياة، إن كان مرتكب الشرور الظالم، وفاعل الخير النافع لغيره، سيلقيان النتيجة ذاتها!؟.
غفلة هؤلاء أبعد ما تكون عن الذكاء، وجاء ذكرها في قوله تعالى: “وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ” [الروم:7].
فعلوم البشر على تقدمها محدودة، إذ كل صناعاتهم تحويلية، فلا يمكنهم أن يوجدوا شيئا من غير مادة موجودة في الطبيعة، واختراعاتهم تطبيقية، أي تطبيقات تستخدم جانبا بسيطا من القوانين الثابتة للظواهر الطبيعية (السنن الكونية)، من غير قدرة على تغيير أي منها قيد أنملة.
لذا فان سعادة غير المؤمنين بحالة الرخاء الدنيوية، حالة عابرة، مثل النشوة التي يحققها الخمر أو المخدرات، سرعان ما تزول، ليعقبها شقاء دائم لا يزول.#

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تقول أنه اهتم بالنظافة وحسن المظهر…صدقت بحديثك عن لبس الناس مثل عصر النبي, أعتقد والله أعلم إنه إذا النبي وجد في عصرنا الحالي لكان من أكثر الناس أناقة وترتيب

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى