
د. #هاشم_غرايبه
لقد بات واضحا أن النظام السياسي الحاكم في كافة أقطار العروبة، متشابه في مدى الفساد الضارب أطنابه، والفشل المانع من التقدم، بغض النظر عن مدى غنى ذلك القطر أو فقره، مما يدل على أنها جميعها تتلمذت على يد الشيخ ذاته، الذي أراد لهذه المنطقة أن تبقى تتخبط في غياهب الفشل لكي تبقى دولا مستهلكة لبضائعه، ولمنعها من امتلاك الارادة في التحرر من نيره، ومن الوحدة التي هي الرافعة الأساس للاستقلال الاقتصادي – السياسي.
لأجل ذلك تمت صياغة هذا النظام بصيغة (One man show)، أي بالمفهوم العربي الزعيم الملهم، والذي يعني استبعاد المؤسسية من دائرة القرار، أي إبقائه في يد شخص واحد هو الحاكم، تمثلا بمنهج الفرعون: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ).
لضمان بقاء هذا النهج هو المطبق، فقد أحاطوا الحاكم برهط يتقنون المديح ولا يجيدون غير التصفيق والهتاف، وفي الوقت نفسه يستطيب الحاكم ذلك، لأنه يرضي غروره ويخفي مناقصه، فلا يقرّب الا هؤلاء، ويستثني الأكفاء المخلصين، لأنهم عادة صادقون لا ينافقون ولا يتزلفون.
لذلك لاحظنا الأداء العام للدولة العربية موسوم بالانفعالية الرعناء البعيدة عن الحكمة، والمشاريع يغلب عليها القرارات الحمقاء، التي تؤدي الى ضياع الأموال والوقت فيما لا طائل منه، فتتقدم الدول الأخرى، وتنهض المتعثرة منها وتنجح، فيما تبقى أقطارنا العربية : مكانك سر.
سأورد مثالا واحد، ولو بحثنا سنجد العشرات من الأمثلة في جميع الأقطار العربية، المثال هو مشروع “نيوم” الضخم الذي أعلن عن المباشرة به قبل ثماني سنوات، وقيل في تسويقه والتغني بأفضاله الكثير، لكن أحدا لم يجرؤ على التشكيك بجدواه ولا التحذير من خياليته وعدم واقعية تنفيذه، والسبب أنه كان وليد رؤية شخص واحد، والمبنية على الخيال الذي يتأتى عادة من الانكباب على ألعاب الكومبيوتر المستغرقة في تصورات الخيال العلمي.
السبب الرئيس لتحمس الغرب لهذا المشروع أنه يحقق أهدافا تطبيعية، وانه تبذير للأموال في مشاريع لا انتاجية، فاختيار موقعه ملاصقا للكيان اللقيط ولكل من الأردن ومصر، سيعني تعاونا استثماريا بين الجهات الأربع، وسيكون ذلك اختراقا هاما في جدار المقاطعة الشعبية له في تلك الأقطار، بعد أن فشل التطبيع الرسمي بخرقها.
وعلى الصعيد العملي (فيما لو تم هذا المشروع)، ولما كان الكيان اللقيط يتمتع برعاية الغرب وحمايته ومده بكل وسائل التقدم التقني، لذلك سيكون هو الجهة المسيطرة في تلك المشاريع فنيا وإداريا، فيما سيكون العرب مجرد مزود بالأيدي العاملة الرخيصة.
كان أول من جرؤ على كشف حجم التغرير الذي جرى لإغراء صاحب القرار بهذا المشروع الخيالي، صحيفة “وول ستريت جورنال” الامريكية في شهر آذار الماضي، حينما كشفت عن تقرير داخلي للشركة الاستشارية الأمريكية “ماكينزي آند كو” وتبين فيها أنها قدمت تقديرات للجدوى مبالغ فيها، ومنعت موظفيها من ذكر المعلومات الحقيقية.
ونشرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” تقريرا مؤخرا حول فشل الجزء الأكبر من مشروع نيوم، وهو المدينة المعلقة المسماة “ذا لاين”، والتي كان مقررا أن تكون عبارة عن ناطحات سحاب متلاصقة بواجهات زجاجية بطول 170 كم، وليس بها شوارع ولا سيارت، فالانتقال يكون بقطارات معلقة.
وبعد أن جرى خلال السنوات الثماني الماضية عمل القواعد الاسمنتية الضخمة، وكلفت اكثر من 500 مليار، جرى الغاء الفكرة، وتقليصها الى أقل من 2 كم، وبذلك ضاعت الأموال وطمرت بالرمال.
هكذا يراد لأموال العرب أن تتبدد هدرا، وهي التي أنعم الله بها عليهم لكي يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف، والتي وعدهم بها ان آمنوا به وأطاعوه، فطبقوا منهجه وأقاموا شرعه، ولم يسارعوا الى موالاة أعدائه مخافة دائرتهم: “وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ” [التوبة:28]، لكنهم لما اعتبروا دينه ارهابا وهجروا شرعه فاتبعوا منهج أعدائه، سوّد عليهم من بدد تلك الثروات فيما لا ينفعهم، لتذهب أموال الخسيس في موازين إبليس.
