سواليف
خَسِر تنظيم “داعش” مدينة الرقّة عاصمته الرئيسيّة في سورية، بعد أشهرٍ مَعدودةٍ من خَسارته لعاصمته العراقيّة المُوصل، التي أعلن زعيمه أبو بكر البغدادي من على منبر مَسجدها التاريخي (النوري) قيام (الخِلافة) صيف عام 2014 بعد سَيطرة قوّات سورية الديمقراطيّة عليها، بشكلٍ كاملٍ اليوم الثلاثاء، واستسلام أكثر من 350 مُقاتلاً من المُدافعين عنها.
كان لافتًا أن القوّات التي سَيطرت على الرقّة بدعمٍ أمريكي، لم تَعثر على السيد البغدادي، زعيم “الدّولة” حيًّا أو ميّتًا، كما أنها لم تَعثر على أركان قيادته البارزين، الأمر الذي سيَظل يَطرح العديد من علامات الاستفهام حَول هذا اللّغز المُحيّر.
الأمر المُؤكّد أن فصلاً مُهمًّا في تاريخ المنطقة قد انطوى، أو كان من المُتوقّع أن يَنطوي، بفَضل ضخامة حَجم القِوى العُظمى الإقليميّة والدوليّة التي توحّدت للقَضاء على هذا التنظيم الدّموي، واجتثاثه من جُذوره، مثل أمريكا وإيران وروسيا وفرنسا وبريطانيا رغم الخِلافات والتّناقضات المُتعدّدة بينها، ولكن ربّما يكون اختفاء هذا التنظيم من فَوق الأرض ليذهب تحتها، أي من العَمل العَلني من أراضي دَولته وعاصمتها، إلى العمل السرّي الذي يُعتبر أقل كُلفةً ماديًّا، وأكثر كُلفةً لأعدائه لأنه يعتمد “الإرهاب” كأسلوب عمل انتقامي ثأري.
هُناك أمور يجب التوقّف عندها في هذهِ العُجالة:
الأول: هزيمة تنظيم “الدولة” سيَخلق فراغًا سياسيًّا وعَسكريًّا، فحتى متى سيَستمر، وهل ستَحاول قِوى أُخرى مِلئه، وما هي طبيعتها؟
الثّاني: من المُؤكّد أن التّحالف الإقليمي والدّولي الذي توحّد لمُحاربة هذهِ “الدّولة” سيَنفرط عِقده بسبب الخِلافات الأيديولوجيّة التي تَسود بين أعضائه، ولذلك فإن السّؤال هو: ما هي النّتائج التي ستترتّب على تَفكّك هذا التّحالف وانعكاساتها على المِنطقة؟
الثّالث: لا يُمكن أن نتجاهل أمرًا أسياسيًّا وهو الاعتراف بوجود حواضن لهذهِ “الدّولة” في سورية والعراق، صغيرةً كانت أو كبيرة، ولهذا فإن السّؤال المَشروع هو عن أسباب وجود هذهِ الحَواضن، والدّوافع التي دَفعت بها لاحتضان تنظيم دموي مُتطرّف مثل “الدولة الإسلاميّة”، وكيفيّة التّعاطي معها بعقلانيّة وعلميّة، وبما يُؤدّي إلى تفكيك هذهِ الأسباب تمهيدًا لإزالتها؟
الرّابع: ما هو مصير فروع هذا التّنظيم في العديد من الدّول العربيّة والإسلاميّة، ابتداءً من سيناء ومُرورًا باليمن، وانتهاءً بليبيا وأفغانستان، هل سَتكون البديل للرقّة والمُوصل، وهل ستَتحوّل إلى قواعدِ انطلاقٍ للمَرحلة الثّانية من استراتيجيّة التّنظيم، أي الهَجمات الإرهابيّة؟
لا نَملك إجابات واضحة، ومُحدّدة حولَ هذهِ الأسئلة في الوَقت الرّاهن، ونُفضّل الانتظار وعَدم التسرّع حتى يَهدأ غُبار هذا التطوّر الخَطير، وهزيمة ظاهرة زَعزعة واستقرار المِنطقة والعالم طِوال السّنوات الثّلاث الماضية على الأقل، ولكن ما يُمكن أن نتكهّن به، وباختصارٍ شديد، أن هذهِ “الدّولة” وأيديولوجيّتها لن تتبخّر بسُقوط عاصمتها الرقّة، وأن هذا السّقوط ربّما يَفتح فًصلاً جديدًا من الصّراع، لا يَقل دَمويّةً، بين دُول التّحالف التي تَحتفل حاليًّا بالانتصار، وتتبادل التّهاني، انطلاقًا من الرقّة نَفسِها.
“رأي اليوم”