
#بيوت_المجد_الأردني… حكاية تُروى بالوفاء والكرامة
الاستاذ الدكتور #أمجد_الفاهوم
عائلةٌ أردنيةٌ ضاربة الجذور، جمعت المجد بالوفاء، والقيادة بالحكمة، والعطاء بالانتماء الوطني. ومن بين صفحات تاريخها يسطع اسم الشيخ الجليل سعد العلي البطاينة، أحد أبرز قامات الشمال الأردني، ورمزٍ من رموز الإصلاح والعقلانية في زمن التحولات الكبرى.
من يقرأ سيرة هذا البيت العريق، يقرأ فصلًا من كتاب الأردن ذاته، حيث تلتقي الزعامة بالمسؤولية، والمجد بالوفاء، والجاه بالعمل الصالح. فهي ليست حكاية أسرةٍ شهدت قرنًا من التحولات فحسب، بل حكاية إرثٍ وطنيٍّ تشكّل من مضافةٍ في “البارحة” إلى مؤسسات الدولة، ومن وجاهةٍ محليةٍ إلى حضورٍ عامٍ يعبر عن أصالة المكان وصدق الإنسان.
في المضافة العتيقة، حيث كان الشيخ سعد العلي البطاينة شيخًا لبني جهمة ووجهًا من وجوه شمال الأردن، وُلدت قيم الصبر والحكمة والصلح. كان بيته مرجعًا ومقصدًا، يؤمه المتخاصمون ليجدوا عدلًا لا ميل فيه، وحنكةً تُطفئ الشر وتزرع السلم. لم يكن الشيخ سعد صاحب لقبٍ أو مكانةٍ فحسب، بل كان حاملًا لآلام الناس، يداوي جراحهم بحكمته، ويجمع القلوب قبل أن يجمع التواقيع. تلك المضافة التي أضحت مع الأيام ذاكرةً للمنطقة ومؤسسةً شعبيةً قبل قيام المؤسسات، احتفظت بوهجها في الوعي الجمعي رمزًا للكرامة والمروءة.
ومن بين جدران هذا البيت خرج نجيب بن سعد العلي، الذي حمل رسالة العائلة إلى ساحات النضال العربي. ففي مطلع القرن العشرين، حين كان الوطن العربي يئنّ تحت وطأة الاستعمار، حمل نجيب سيفه متطوعًا إلى ليبيا ليقاتل الغزاة الإيطاليين في حروب طرابلس الغرب، فجرح مرّتين واستشهد في الثالثة. لم يمت نجيب في صحراءٍ بعيدة، بل عاد حيًّا في ذاكرة العرب، إذ حفظ المؤرخون والليبيون اسمه شهيدًا على أرضٍ غريبة كتب بدمه معنى الانتماء والبطولة. في سيرته تتجلى العقيدة العائلية العميقة: أن الكرامة لا تُشترى، وأن المجد يُبنى بالعطاء لا بالمظاهر.
ثم جاء نايف بن سعد العلي البطاينة ليكون الجسر بين زمنين؛ زمن المضافات وزمن المؤسسات. احتفظ نايف بملامح والده من وقارٍ وحكمةٍ وإصلاح، لكنه حملها إلى فضاء الدولة الحديثة، حيث تغيرت الأدوات وبقي الجوهر. فهو نموذجٌ للقيادة التي تتجدد ولا تتبدل، تجمع بين النسب والمسؤولية، وبين الأصالة والمعاصرة. وفي عرف الشمال الأردني، لا تحفظ الأسماء نسبًا فحسب، بل تحمل الذاكرة في طياتها، فنقرأ في تسلسل الأسماء “نايف محمد السعد البطاينة”، كأن كل جيلٍ يُسلّم الآخر راية الواجب العام.
أما الحفيد محمد نايف محمد السعد البطاينة، فقد أعاد ترجمة معنى الزعامة بلغة الاقتصاد والعمل المؤسسي. برز في ميادين التجارة والاستثمار، قائدًا للغرفة التجارية الأمريكية في الأردن، وصوتًا وطنيًا في العلاقات الاقتصادية الدولية. يرى في الاقتصاد وسيلةً للبناء لا للتفاخر، وفي الشراكة مع العالم نافذةً لخدمة الأردن لا لذوبانه. تذكره الهيئات الرسمية بالشفافية والالتزام، ويعرفه الناس بجرأته الهادئة وسعيه الدؤوب نحو مشاريع تحمل اسم الوطن حيثما وُجد. لقد نقل الحفيد مفهوم الوجاهة من الديوان إلى مجلس الإدارة، ومن الوجدان إلى التخطيط، ليؤكد أن النسب الحقيقي هو نزاهة العمل لا سلالة الاسم.
وإلى جانب الحفيد محمد نايف، واصل أبناء وأحفاد محمد سعد العلي البطاينة حضورهم الفاعل في مجالات متعددة، كلٌ منهم يسهم في خدمة الوطن بطريقته الخاصة. فمنهم من انخرط في العمل العام والإدارة المحلية، ومنهم من برز في مجالات الاقتصاد والأكاديميا والمبادرات الشبابية، محافظين جميعًا على إرث الجدود في النزاهة والإنجاز، ومجسدين لمعنى المسؤولية الاجتماعية في أبهى صورها.
وهكذا تمتد سيرة هذا البيت الأردني الأصيل من السيف إلى القلم، ومن المضافة إلى المؤسسة، ومن الإصلاح الأهلي إلى الاستثمار الوطني. تتبدل الأزمنة وتبقى القيم راسخة: أن الوجاهة مسؤولية، وأن المجد يُصان بالفعل، وأن الأصل ليس حنينًا إلى الماضي، بل وعدٌ دائم بأن تبقى الكرامة الأردنية مشعلًا يُهتدى به في بيتٍ عرفه التاريخ والناس معًا، وما زال يكتب صفحاته بمداد الوفاء للوطن