بين لبيك يا أقصى وأبكيك يا أقصى ألف حكاية وحكاية
تجولت في رحاب ثالث الحرمين وأولى القبلتين وأنا في حالة ذهول لا أشاهد ما حولي ولكنني أنظر للأفق فأشاهد رجلا يقود بعيرا يركبه” رجل “, فأعيد البصر مثنى وثلاث ورباع وخماس فإذا بأبي عبيدة بن الجرّاح يحدّث نفسه قائلا : أتعبت من يجيء بعدك يا عمر ….. وكيف لا وقائد الجمل هو خليفة المسلمين يقود بخادمه وهو الذي جاء لاستلام مفاتيح المدينة المقدسة بعهد وميثاق مع أهلها , فلا تراق فيها قطرة دم ……
تتلاشى الصورة كحلم لذيذ وتقفز لشاشة المخيلة صورة مرعبة لفرسان الصليب في القرون الوسطى بأشكالهم الداعشية المرعبة وهم يجوسون خلال المدينة المقدسة معملين السيف فيمن فيها غير مفرقين بين رجل وامرأة وطفل وشيخ , فترعبني أكوام الجثث المكدّسة وأشعر أنني أنزلق بنهر الدم الجاري , فأكاد أصرخ ويغمى عليّ من شدّة الرعب ………
في لمحات البصر تغيب الصورة وإذا بصلاح الدين بطلعته المهيبة يدخل المسجد , وينصب المنبر فيصعده الشيخ محي الدين محمد بن زكي الدين علي القرشي فيخطب خطبة الفتح والتي جاء فيها :
” أيها الناس أبشروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى والدرجة العليا ، لما يسّره الله على أيديكم من استرداد هذه الضاله من الأمة الضالة وردها ألى مقرها من الإسلام بعد ابتذالها في أيدي المشركين قريباً من مائة عام ، وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه ، وإماطة الشرك عن طرقه بعد أن امتد عليها رواقه ، واستقر فيها رسمه ، ورفع قواعده بالتوحيد ، فإنه بُني عليه وشيد بنيانه بالتمجيد ، فإنه أسس على التقوى من بين يديه ومن خلفه ، فهو موطن أبيكم إبراهيم ومعراج نبيكم عليه الصلاة والسلام وقبلتكم التي كنتم تصلّون إليها في ابتداء الإسلام ، وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء ، ومدفن الرسل ومهبط الوحي ، ومنزل ينزل به الأمر والنهي ، وهو أرض المحشر وصعيد المنشر ، وهو في الأرض المقدسه التي ذكرها الله في كتابه المبين ، وهو المسجد الأقصى الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملائكة المقربين ، وهو البلد الذي بعث إليه عبده ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروحه عسيى الذي أكرمه برسالته ” ………..
فالتفت لأتأمل صلاح الدين فذهبت الصورة وإذ بي أشاهد الملك الشهيد عبد الله بن الحسين قد لبس لباس الحرب وعاهد الله أن يحمي الأقصى من عصابات صهيون أو يقتل دونه , رأيت القائد عبد الله التل وهو ينخى النشامى , فنظرت لأولئك الفتية وما كنت أسمع إلاّ هدير بنادقهم وأسماء خواتهم اللواتي ينتخون بهن , فسمعت اسم وضحا , وعمشا , وصالحة , وفلوة , وعشبة …… ورأيت شبابا كالذين وصفهم الشاعر حيث يقول :
يتهافتون على الحُتُوفِ أعزةً ,,,,,,,,,,كتهافتِ الظمأ على القيعانِ
ويعانقونَ الموتَ في ولهٍ لهُ,,,,,,,,,,,,,,,, كتعانقِ الولهانِ للولهانِ
كدت ازغرت فالتفت وإذا بمجندة صهيونة تصوب البندقية نحوي فأفقت مما أنا فيه …. نظرت حولي أبحث عن وجه خلف وعقلاء وحابس فلم أشاهد إلاّ وجوها غريبة تحمل بنادق توجهها إلى المسجد ومن فيه ………
وجدتني أهتف لبيك يا أقصى وأنا أشاهد قامات ممشوقة لشباب مرد تقف بكل إباء وعنفوان وشمم , لمحت منهم : محمد هويمل الزبن , عارف محمود الشخشير , سالم محمد سالم الخصاونة , سلطان محمود محمد الكوفحي , مقبول غديفان الثنيان , رأيت كاسب صفوق الجازي ينظر بعينيّ نمر غاضب ………. صرخت بهم أين أنتم فلم يسعفني الصوت ولم تخرج كلمة لبيك يا أقصى , وإنما خرجت بدلا منها أبكيك يا أقصى ……… أبكيك يا أقصى وأنا أشاهد لافتات مرشحي الضفتين الذين يتسابقون على مجالس يراد منها بيعك يا أقصى ……..
انظر يمنة ويسرة فلا أرى إلاّ صورهم وشعارات تنطق بأفصح عبارة أنّ أهلها لا يؤمنون بحرف مما فيها …….. دققت النظر في الوجوه أبحث عن وجه أبي جدعان الخرشة , وفناطل الثنيان , زعل ارحيل , ومشهور حديثة يئست وأعدت النظر فعاد لي البصر مكسوفا حزينا متحسّرا فصرخت أبكيك يا أقصى ………. أبكيك يا أقصى ………
منى الغبين
الاسماء التي وردت بعضهم من شهداء الكرامة وكلهم من ابطال الجيش الاردني.