بين لاءات الخرطوم الناهية و “كلات ” عمان الغاضبة

بين لاءات الخرطوم الناهية و “كلات ” عمان الغاضبة
عبد الفتاح طوقان

إعلان اللاءات الثلاث عام ١٩٦٧ في الخرطوم هي الأقوى في كل القمم العربية والتي نصت: “لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل”، وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر حلت مكانها اتفاقيات السلام الموهوم والتوسل لإسرائيل والحرد منها.
وجاءت “الكلات” الثلاث عام ٢٠١٩ في عمان- في لقاء محلي داخلي – على لسان الملك عبد الله الثاني ” كلا للتوطين، كلا للوطن البديل، كلا للقدس”، في الوقت أن قمة الرياض عام ٢٠١٨ تحدثت عن القدس ولم تتحدث رفض التوطين والوطن البديل، ونفس الشيء تكرر في قمة تونس ٢٠١٩.

وهنالك فرق جوهري وشمولي وفي التعريف القانوني بين ” اللاء” و ” كلا” في الاستخدام حيث تختلف في المعني والفعل.

“لا” أتت في الخرطوم نافية وناهية ورافضة، بينما “كلا” لغويا تعني الزَّجْر والغضب: ومنه قوله تعالى: «واتَّخَذوا من دون اللهِ آلهةً ليكونوا لهم عزّاً كلاّ سيكفُرون بعبادتهم”.

مقالات ذات صلة

واستخدام ” لا” أتت من مطبخ اعلامي سياسي يديره محمد حسنين هيكل ود. عبد القادر حاتم (من أقوى الوزراء المصريين حينها والإعلاميين العرب) لتعبر عن قوة رافضة قطعية رغم انها في سياق هزيمة حرب الأيام الست عام ١٩٦٧، ومع ذلك يقف عبد الناصر طودا شامخا بموقف حازم، بينما “كلا”، حيث لا يعلم من في المطبخ الاعلامي السياسي وما هي قدراتهم ورؤيتهم وحصافتهم – فتفسر بأنها ناتجة عن غضب وتقبل التفاوض وتأتي تحت عنوان ” المطالبة” خصوصا وان معاهدة وادي عربة لم تنه التوطين وشطبت المقدسات المسيحية.

في الغرب، يتم ترجمة الأحاديث، ويستخدم علم اللغويات، دلالات كل حرف ونظرات المتحدث وتعابير وجهه وحراكه ولغة جسده لتحليل القصد والمعني ضمن سيكولوجية للتدقيق السياسي في كل ما يصدر ويخرج عن المسؤول والحكام. لذا الانتباه لكل ذلك مهم قبل نطق “لا” او “كلا”.
الملك عبد الله الثاني كان قاصدا الرفض والنفي والنهي كما هي لاءت الخرطوم، او هكذا يفترض، ولكن استخدام “كلا” اضعفت المعني وقوة التعبير والتأثير، مما يدفع بسؤال مهم من يكتب للملك خطاباته؟ من هم مستشاريه؟، من يختار له محاوره ومفردات حديثه؟.
ولماذا غياب المنهجية والبلاغة القانونية لمساندة التفكير الملكي عند الحديث. من المسؤول عن ذلك؟ ولماذا وصل الأردن الي ذلك بعد ان كان غاية في قوة الاستخدام للمصطلحات واستراتيجيات الخطاب مما زاد من ﺍﻹﻗﻨﺎﻉ وﺍﻻﺴﺘﻤﺎﻟﺔ وﺍﻟﺘـﺄﺜﻴﺭ ﻓـﻲ ﻨﻔﻭﺱ ﺍﻟﺴﺎﻤﻌﻴﻥ عندما كان يتحدث الملك الحسين رحمه الله.

زمن صلاح أبو زيد وعدنان أبو عوده ومروان القاسم وغيرهم، تلك الكوكبة من عمالقة الفكر والحصافة في مواضع استخدام مفردات اللغة. والأهم انهم قارئين بأسلوب تحليل ما يقرأ و مقارنة مع احداث و كتب اخري و ذلك للاستدلال علي مناطق الكهوف ودوامات الإغراق الكتابي السلبي لفهم وتحليل الحقيقة من السرد المخادع و ادعاءات المتلاعبين في السياسة، وقراتهم بلغات مختلفة و ليس فقط العربية، بعكس بعض من الوزراء الحاليين ممن لا يقرأون، ويخرجون اليوم مباشرة للمديح فقط من أفواههم ما يطاب اسماعه للحكام من حديث دون قراءة نصوص واعدادات مسبقة وفي غياب لخلايا مساندة للقرارات والحاكم، في زمن المفترض انه زمن العولمة والسماوات المفتوحة بلا حدود.
واقصد مؤخرا، على سبيل المثال، ما أكد ه رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز أن الثوابت الأردنية تركز على” الوصاية الهاشمية ” على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، انتهي الاقتباس، وكأنه لم يقرأ المادة التاسعة من معاهده وادي عربه التي لم تذكر المقدسات المسيحية نهائيا وحددتها فقط بالإسلامية، ولم تقتصرها على الأردن وانما قالت ستعطي أولوية (بدون ال التعريف) والتي تعني قد تعطيها لها او لغيرها اولا تعطيها من الاساس. والنص الإنجليزي واضح في الإشارة الي فقط وأؤكد فقط المقدسات الإسلامية.
(in Muslim Holy shrines in Jerusalem)
اكتفت المعاهدة بالقول:”

“سيمنح كل طرف للطرف الآخر حرية الوصول للأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية بما يتماشى مع إعلان واشنطن، على أن تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن””.

هنالك فرق- يا اصحاب الدولة والمعالي – بين الامنيات والتمنيات والواقع وما تم التوقيع عليه، علما أن التوقيع هو سيد الأدلة للتنفيذ والملزم.

إذا كان كلام رئيس الوزراء هو فعلا ما تريده الحكومة الأردنية، تماشيا ما يتطلع اليه الملك عبد الله الثاني، فيجب تعديل المادة التاسعة في معاهدة وادي عربه، وإضافة المقدسات المسيحية والوصاية الهاشمية، او الغاء المعاهدة وبعكس ذلك لا وصاية حتى وان تمت فلا مقدسات مسيحية. والاتفاق الفلسطيني الأردني حول المقدسات المسيحية غير ملزم لإسرائيل فيه لأنها ليست طرفا فيه، والفلسطينيين لا يملكون حق منح تلك الوصاية بعد ان سلم بعض منهم ” القدس” واستوطنوا الأردن بديلا، فأصبحوا وهم من لاجئين ١٩٦٧ رؤساء حكومات، رؤساء مجالس نواب، رؤساء مجالس اعيان، نواب ٫رؤساء مجلس النواب، نقباء للمهندسين والأطباء والزراعيين الصحافيين، وقادة للدفاع المدني والامن العام وغيرها من المناصب في مؤسسات الدولة، ولم تعد القدس تحت سيطرتهم ولا زال بعضهم يطالب بحقوق منقوصة، ويصدح الأردن “لا للوطن البديل”.

عندما رفض الرئيس عبد الناصر، الداعي الأقوى والأكثر حماسا للقومية العربية والوطن العربي الواحد، حذر من منح الجنسية الأردنية للفلسطينيين في أي من الأوطان التي قبلت بهم لاجئين معتبرا ان ذلك تصفية للقضية وتوطينا للاجئين و النازحين غير مباشر لهم في أماكن تواجدهم و اوطان مزيفة ، لم يسمع له وأتت الضغوطات البريطانية التي بدياتها تعود الي العشرينات فيما يتعلق بالقدس و فلسطين، وهو البند الواضح الذي اتي لاحقا في معاهدة من حيث مساعدة الأمم المتحدة الأردن في توطينهم، والضغط الأمريكي في صفقة القرن على الأردن.

التوطين والقدس والوطن البديل في “كلات عمان” هي حلم اتمني الا يتلاش مثلما تلاشت “لاءت الخرطوم، الي ان تعود القوة الحقيقية و ينتهي الترجي من إسرائيل والغضب عليها ومنها.
aftoukan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى