بين تاجـر البندقية وتاجـر الحكومة

بين تاجـر البندقية وتاجـر الحكومة
د. قــدر الدغمــي

كمثل أسرة ريفية آمنة في قرية نائية، كانت تأكل مما تزرع، ويأتيها رزقها كل حين مما ترعاه من ماشية، وهي في حالة اكتفاء ذاتي وراحة بال، إلى أن أتاها التاجر المحتال المدجج بالمواد الإعلانية و”البوسترات الدعائية” مبشرها برغد حياتها ورفاهية عيشها بلا مشقة أو عناء أو كد أو تعب .. وبغمضة عين وحين غفلة استطاع هذا التاجر اللعين بما لديه من حيل و “فهلوه” وطلاقة في اللسان ودهاء، من اقناع هذه الأسرة من بيع كل ما لديها من ماشية ومتاع ونقلها إلى المدينة حيث الحياة الهانئة وطيب العيش، وسهل لها ذلك وأعد لها كل ما تحتاجه من مسكن فاخر وأثاث وسيارات فارهة وكل شيء يلزمها من كماليات الحياة الناعمة والمريحة من دون أن تبذل أي جهد ودون مقابل منظور، لكن ما على هذه الأسرة سوى التوقيع على عدة أوراق “مُكربنة” لإكمال المعاملة فوافقت وشرعت بذلك ..!!
ومع مرور الأيام اعتادت الأسرة المسكينة على هذا النمط الاستهلاكي، واستسهلت تلك الحياة لعدة سنوات دون أن تشعر بشيء لا بالعكس غفت بنعيم العيش بلا شعور وتناست ماضيها .. عند تلك اللحظة انسحب التاجر الخبيث رويداً رويداً بعد أن أغرقها في الدين والقروض والسُلف والتسهيلات لتكتشف بعد حين أن جميع ما لديها مرهون للبيع أو الحجز عليه لضمان استرداد المبالغ التي تم صرفها دونما وعي طيلة السنوات الماضية مع الفوائد المركبة والأرباح الفاحشة واتعاب السماسرة والرسوم والمصاريف .. لتجد الأسرة نفسها خارج النعيم المؤقت الذي عاشته لا بل خارج الحياة نفسها ومطالبة بالسداد أو الحبس أو التشرد والضياع، وكأنه كابوس لعين، ولعجزها عن الوفاء توزع أفرادها على شوارع المدينة فمنهم من احترف النصب ومنهم التسول ومنهم من انحرف وأصبح يتاجر ويتعاطى المخدرات والمسكرات، ومنهم من أصبح قاطع طريق ولص ومبتز إلـخ ..!!
الصورة تقريبية تماماً كما فعل تاجر البندقية اليهودي الجشع “شيلوك” في الرواية الشهيرة للكاتب الانجليزي “ويليام شكسبير”، الذي جمع ثروة طائلة من المال الحرام عندما كان يغري ويقرض الناس بالربا الفاحش، حيث أن مدينة “فينسيا” البندقية في ذلك الوقت كانت من اشهر المدن التجارية في العالم، ويعيش بها الناس بسلام وطمأنينة وفيها اقتصاد مستقر وكانت محج لتجار كثيرون من كل العالم.
هذا الحال يذكرنا بأن الشعب في ظل الحكومات الفاسدة حينما تغريه وتغامر وتتاجر بمقدراته بذريعة الحياة الرغدة من خلال تاجر سمسار وفاسد محتال كأمثال “شيلوك”، يتحول إلى شعب يستجدي لقمة عيشه ويصبح تحت رحمة ووصاية ذلك التاجر الطماع وبعض الدول والبنوك والمؤسسات الدولية الدائنة ومهدده حياته بالتشرد والضياع .. طبعاً هذه العملية تتكرر وللأسف بوكلاء محليين يدّعون الوطنية المزيفة والإصلاح، وتجد دائما في دعوتهم المعلنة للشعب التفاؤل والصبر والعيش على الأمل ويتعهدون لهم بأن الأمور ستكون أفضل في الأيام القادمة، لكن بعد الضياع يصبح الحال على رأي المثل الشعبي: “عند عـمك طحنا” ..!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى