د. #حفظي_اشتية
نحن في شهر رجب، وقديما قالت العرب: “عِش رجبا ترَ عجبا”.
عجيب أمر هذا الغرب، لماذا يناصبنا كل هذا العداء؟! ثم يتساءل مستهجنا: لماذا تكرهوننا؟!
منذ ألف عام ويزيد، لم نطأ لهم بلدا معتدين، لم نقتل منهم أحدا، لم نسلب لهم أرضا، لم نضيّق عليهم جوّا أو بحرا…..إلخ
منذ ألف عام ركبوا موجة دينية كاذبة، مدّعين الدفاع عن المقدسات المسيحية التي رعاها العرب والمسلمون بأهداب العيون بعهدة عمرية خالدة أبد الدهر، فتقاطروا إلى بلادنا على هيئة موجات بشرية متخلفة هستيرية، أقاموا ممالك ظالمة متهالكة، قتلوا ودمروا وعاثوا في الأرض فسادا، ودخلوا القدس وخيولهم تسبح في دماء الأبرياء إلى الركب، وأشعلوا حربا هوجاء لا تُبقي ولا تذر، وأرادوا أن يُطفئوا منائر الحضارة العربية الإسلامية على مدى قرنين من الزمان كاملين…. لكن ارتقت راية الإسلام منذ أوقد الشعلة “عماد الدين زنكي”، وابنه “نور الدين الشهيد” يصنع منبر الأقصى في حلب، يحفظه سنة بعد سنة، ليكون أخيرا في عهدة “صلاح الدين” يعبر على جماجم المعتدين في حطين ليدخل القدس فاتحا مهيبا حكيما رحيما، ويضع المنبر في محله الطاهر شاهدا عدلا خالدا على الحق المبين.
ثم يأتي “الأشرف خليل قلاوون” بعد مائة سنة أخرى ليقتلع جذورهم من الساحل الشامي، وليلاحق فلولهم لتشهد عكا بقايا مراكبهم تطوي أشرعة مشروعهم وتغادر مسربلة بالذل والهوان.
ثم تعود طلائعهم في القرن التاسع عشر ليستعمروا بلادنا، وما كانوا يوما معمرين، ووثقنا بوعودهم، وما كانوا يوما إلا خائنين مخادعين، وعدونا بالحرية والاستقلال إن اصطففنا معهم في حروبهم، ففعلنا ووفينا بوعدنا، لكن ما جنينا منهم إلا المكر والغدر، نهبوا خيراتنا، وأوقعوا الفتنة بيننا، وقسموا بلداننا، وسفكوا دماءنا، وامتلأت سجونهم بأبطالنا، وتمايدت مشانقهم بأعناق أحرارنا، وتوّجوا غدرهم بوعد مشؤوم، لعله أعجب وعد في التاريخ، إنه وعد “بلفور” الذي لا يملك، لشعب يهود الذي لا يستحق، بدرة الأوطان!!!
ومنذ هذا الوعد قبل قرن من الزمان ونحن في محنة تلو محنة، نقاوم كل يوم سرطانا فاتكا يسري في جسمنا العربي ويستشري، ينهب وطنا بعد وطن، يتمدد دون حدود أو قيود، يتقوى بخرافات دينية تلمودية أسطورية مزعومة، ينفخ فيها فيعمّ القتل والدمار والخراب والفساد حيثما حلّ.
وأخيرا يرتكب إبادة لم يشهد لها التاريخ القديم أو الحديث مثيلا، يمحو مدنا كاملة عن وجه الأرض بنزعة همجية هولاكية، يقتل ويجرح ويأسر مئات الآلاف، ويشرّد ويجوّع ويروّع شعبا كاملا، ويدفع ما تبقى منه نحو خيار وحيد هو الفرار والظفر بالنجاة فقط.
لكنّ شعبا أبيّا يصمد أمام كل هذه الأهوال، يقاوم كل هذا الطغيان، يقف وحيدا في وجه كل هذا العالم الظالم ليثبت فعلا وقولا أننا أمة عظيمة تستحق الحياة: هذه أرضنا ندافع عنها، أو نموت فيها وندفن، ولن نتخلى عنها أو نغادرها، والاختيار بيننا وبينكم واحد في اثنين: “إما نحن، وإما نحن”.
ثم يأتي “ترامب” زعيم الديمقراطية العظمى!! ليسفح دموع صياد العصافير على هذا الشعب، فيرى أن هذا الوطن لم يعد بعد كل هذا الدمار صالحا للحياة، وبدلا من أن يحاسب المعتدي الذي تسبب بذلك، تراه ــ ويا لعجب العجب ــ تقتله الشفقة الكاذبة، وتغلبه الرحمة المصطنعة، ويبحث عن مخرج لتتفتق عبقريته عن حل معجز، وهو تهجير الشعب المظلوم إلى الدول المجاورة، ليترك البلاد براحا متاحا للمعتدين، ويخاطب بعض زعمائنا مبديا رغبته السامية! ومجاهرا بتوصيته النافذة! أن تستقبل بلداننا العربية موجة جديدة من هجرة هذا الشعب المنكوب، وليتوج جهد سلفه سيئ الذكر “بلفور”، ويكمل ما شرَعه وشرّعه. كم نحن في محنة!!!
أما عن هذا الوطن، فقد قيل لترامب بالصوت الجريء المجاهر: بلادك واسعة، وبما أنك رحيم كريم، فعليك أن تقتطع جزءا منها لحل مأساة شعب صنعتموها أنتم وسابقوكم من الظالمين بأيديكم.
هذا القول هو صوت ضمائرنا، وصدى نشيد أرواحنا.
هذا القول هو صون كرامتنا، والحفاظ على حقنا في وطننا.
هذا القول هو واجبنا نحو ديننا، ونصرة إخواننا وعدالة قضيتنا.
هذا قول الرجال في المواقف التي تظهر فيها وتتجلى معادن الأبطال.
أمريكا ليست قدرا لا مفرّ منه، و”ترامب” ليس سببا في وجودنا لا غنى لنا عنه، وهو الذي يحتاج إلينا ولا حاجة لنا به.
وله نقول ما قاله “نزار” :
” تذكروا دائما….تذكــروا
بأن أمـريكا ــ على شأنها ــ
ليست هي الله العزيز القدير
وأن أمريكا ــ على بأسها ــ
لن تمنـع الطيــور أن تطير
قد تقتل الكبير بارودة صغيرة في يد طفل صغير.