بين النقد واطالة اللسان

بين النقد واطالة اللسان
م. عبدالكريم ابو زنيمة

لطالما تغنت حكوماتنا بنعيم الحريات والديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات، لكن التطبيق لا يلامس الواقع لا من قريب ولا من بعيد، فلا زالت الذهنية العرفية والقبضة الامنية هي المهيمنة على المشهد! فالحرية تضمن للمواطن ان يعبر عن رايه أو نقده لاداء كل من يتولى المسؤولية العامة بالقول والكتابة والتظاهر والرسم الكاريكاتوري وكل وسيلة تعبيرية وفق التشريعات الناظمة لذلك، لكن المشكلة تكمن في المساحات الرمادية بين الحرية والديكتاتورية – بين النقد واطالة اللسان – بين المواطنة والخيانة..الخ
الفرق بين دول العالم الثالث والعالم المتحضر أن هناك دساتير وقوانين تنظم الحياة العامة والخاصة يكون فيها الحكم والفصل للقوانين، اي ليس هناك مساحات رمادية يتم تطويعها وتفصيلها حسب المقتضى والاهواء! فعندما يمد مسؤول ما يده للمال العام فان القضاء هو المرجع المختص والوحيد للقصاص منه، ليس عندهم هناك لجان ولجان ودهاليز تغور فيها كل مصائب أوطانهم وحقوق شعوبهم، بل عندهم معايير ومؤشرات اداء وادوات قياس للانجازات وجميعها رقمية غير قابلة للتلاعب وليس كما هو في عالمنا العربي كلها وعود وخطابات واكاذيب وقصائد واغاني وأهازيج! فالاوطان لا تبنى الا بالصدق والشفافية والعدالة والديمقراطية والحرية وسيادة القانون من خلال الاستراتيجيات الوطنية العليا التي تنهض بالوطن وتحصنه وتحميه من كل المخاطر والتهديدات وتخدم مصالح الشعب.
اليوم نواجه ونعيش أكبر أكذوبة ومآساة متمثلة بأن الشعب هو مصدر السلطات حيث نص الدستور في مادته الاولى بأن نظام الحكم هو نيابي ملكي وراثي، وهنا فان المساحة الرمادية هي بطول الوطن وعرضه، فهل تعكس نتائج الانتخابات النيابية الارادة والتمثيل الحقيقي للشعب! هل تزوير الانتخابات وضغوط الاجهزة الامنية لتوجيه الناخبين وشراء الاصوات وما يليه تحت القبة من اتصالات الو.. هي فعلا حياة نيابية! وهل تشكل الحكومات بارادة واختيار مجلس النواب أم تفرض عليه! ام اصبحت المجالس النيابية الدرع الواقي واطواق نجاة لكل عابث بمقدرات الوطن! وهل من صلاحيات المجلس النيابي التحقيق في ملفات الفساد! وهل هناك أصلاً قواعد ومراجع شعبية للنائب نفسه لمحاسبته على انغماسه في الفساد والتمتع بهبات واعطيات الحكومة التي اصبحت هي من تراقب وتحاسب النائب حسب بعده أو قربه منها!
زج بالكثيرين من الحراكيين المطالبين بالاصلاحات في المعتقلات بتهم اطالة اللسان، وهنا عقدة لا بد من تذويب المساحة الرمادية حولها، فقد نص الدستور في مادته (26) باناطة السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه، فان كان النواب لا يمثلون حقيقة ارادة الشعب والوزراء مفروضين على المجلس النيابي وغالبيتهم ورثوا ابائهم وأجدادهم في المناصب وفاقموا المديونية لتقارب (40) مليار دولار ولم يبقوا للدولة اي مورد مالي الا وباعوه، فهل المطلوب من الشعب التصفيق لهذه الانجازات! الملك في هذه الحالة الدستورية هو يرأس السلطات.. وكل من يخرج من نادي الحكومة يطل علينا عبر الشاشات مبرئاً نفسه من المصائب التي لحقت بنا.. وهناك منهم من يلصق نفسه بالمعارضة ويجاهر بأنه كان ينفذ توجيهات عليا- كل هذا الخراب ولم يحاسب ويدان اي منهم! عندما يوجه مواطن ما النقد لجلالة الملك فأنه لا ينتقده لشخصه ولحياته الخاصة وانما ينتقده بصفته الرسمية على فشل أداء حكوماته ووزرائه – فهل هذا ينطبق عليه اطالة اللسان أو قدح مقامات عليا! وهنا لا بد من التاكيد ان الذم والقدح بالصفة الشخصية مرفوض ومدان ولا احد يقره ضد اي كان، فالدستور كفل وضمن للمواطن حرية الراي والتعبير لكل من ينخرط بالعمل العام وفق القانون، كيف لي كمواطن أن أفصل بين الحكومة والملك وهو يرأس السلطات؟ في هذه الحالة فان وزر السياسات الحكومية وفشلها واخفاقها في معظم المجالات يتحملها بالتضامن كل من هو ضمن منظومة الحكم رئيساً ومرؤوسين، فليس هناك خطوط واضحة ومحددة بين الحكومة التنفيذية ومن يرأسها، هذه المساحة الرمادية الشبيهة بمثلث برمودا التي أغرقت البلاد والعباد بكل الكوارث لا بد من ازالتها من خلال تعديلات واصلاحات دستورية تحدد السلطات والمسؤوليات لكل الاطراف وبداية واساس الاصلاح تبدأ من تقديم مشروع انتخابي نسبي على أسس برامجية والاردن دائرة انتخابية واحدة يفضي لفرز نواب وطن لا نواب مقاولات وتهريب وتحرش وطوشات! وبخلاف ذلك سنغرق أكثر في مستنقع الفساد والخراب! ولن تتسع المعتقلات لمطيلي الالسن!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى