بين المصالح الوطنية والمنافع الشخصية

بين المصالح الوطنية والمنافع الشخصية
م. عبدالكريم أبو زنيمة

هناك هوّة كبيرة وتناقض كلي بين هذين المفهومين، قلة ممن تبوؤا المناصب العامة وخاصة في العقود الثلاثة الماضية كرسوا جهدهم ووقتهم لتحقيق المصالح الوطنية للدولة، وهذا ليس غريبًا في ظل نهج تشكيل الحكومات وإشغال المناصب العامة الأقرب للتوريث والمحاصصة والتنفيع ، هؤلاء هم من هدموا ركائز الدولة وسلبوا وسطوا على كل عناصر قوتها الاقتصادية وروافدها المالية التي كانت تغذي الخزينة العامة تحت شعارات السوق والاقتصاد الحر، وبذات الوقت تعمدوا إفشال القطاعات الإنتاجية الوطنية وخاصة الزراعة والصناعة عبر أساليب ووسائل مختلفة تلبيةً لشروط وإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، لقد كانوا وما زالوا أوفياء لهاتين المؤسستين الدوليتين التخريبيتين والمفسدتين لاقتصاد الدول لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية استعمارية ولخدمة المصالح الغربيّة، مفضّلين أنفسهم ومصالحهم ومنافعهم الشخصية على المصالح الوطنية للدولة وجل إنجازاتهم كانت إعلامية وسراب تبخر بلا أثر، فأين عشرات المليارات والاتفاقيات والمشاريع الدولية التي لطالما تغنوا بتوقيعها وجلبها للأردن والأردنيين؟ وأين البيئة الاستثمارية التي أوجدوها؟ أم هل كانوا يقصدون بها بيئة السمسرة واللصوصية؟
الشعب الأردني اليوم يثمن بكل فخر واعتزاز الإدارة الناجحة لمواجهة جائحة كورونا ويحيي خاصةً فريق إدارة الأزمة ووزراء الصحة والإعلام ورئيس هيئة الأركان العامة على جهودهم وسهرهم ومواصلة ليلهم بنهارهم خدمةً للوطن والمواطن، هؤلاء الرجال هم رجال دولة وقامات وطنية، أما أولئك الذين طالما استعرضوا وطنياتهم وتطايروا فوق المناصب كما تتطاير الفراشات لتسلب من الزهور أحلى رحائقها، فقد نأوا بأنفسهم وتخاذلوا وبخلوا عن تقديم فتات مما سلبوه بل وآثروا استثمار الأزمة لخدمة لمصالحهم ومنافعهم فلا يستحقون حتى كلمات هجائهم! فالوطن لا يعني لهم الا الكسب والنهب، ولو أن هناك بقعة في العالم تأويهم وتعصمهم من شر هذا البلاء لما توانوا عن تركنا نواجه مصيرنا، فألف تحية للرجال الرجال الأوفياء الذين يديرون معركة التصدي لهذه الأزمة بكافة مستوياتهم ومسؤولياتهم المدنية والعسكرية.
اليوم، يقف الأردن على مفترق طرق! قد تطول جائحة كورونا وقد تقصر، لكن أين سيكون الأردن بعد الجائحة؟ أزمة مالية خانقة ومديونية عالية، قطاعات إنتاجية منهارة، بطالة عمالية مستفحلة، قوة شرائية ومالية مجتمعية متآكلة، العالم كله سيعاني من تبعات وتداعيات هذا الوباء بلا شك، أمام هذا الواقع لا بد من تشكيل فرق وطنية متخصصة تعد خططًا واستراتيجيات وطنية لكافة القطاعات تتولى تنفيذها حكومة وطنيّة يعينها جلالة الملك بتوافق وطني، تتألف من شخصيات وطنية مشهود لها بالنزاهة والكفاءة والخبرة خلال فترة انتقالية مدتها 3-4 سنوات بعيدًا عن نهج التوريث والمحاصصة، يعهد لهذه الحكومة إعادة بناء الدولة على ركائز وقواعد الاقتصاد المبني على الإنتاج ولا ضير هنا من تمديد قانون الطوارئ لتمكينها من محاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة وإغلاق كل مؤسسات الفساد والتنفيع وإعادة هيكلة الرواتب، كما ويعهد إليها إجراء الإصلاحات الدستورية والتشريعية اللازمة لقيام دولة ديمقراطية مدنية عصرية، فالاردن غني بموارده الطبيعية والبشرية وكل ما ينقصنا هو الإرادة والإدارة لإحداث التغيير والنهوض بالوطن والمواطن .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى