بين الحرف و الموقف / د. سعيد المومني

بين الحرف و الموقف
د. سعيد المومني

للمجاملة أثرها الإيجابي عند استخدامها في العمل أو في العلاقات الإجتماعية أو حتى في السياسة، ولكن عندما تقترن بالمبالغة المصاحبة للنفاق أو “التسحيج” المتجاوز للأخلاق أو المناقض للواقع أو على حساب الوطن، فإنها تؤدي الى توريط المسؤول أو الحاكم. والذروة فى هذا ربما تكون ما جاء على لسان الشاعر (ابن هانئ الأندلسي)، الذي كتب شعراً فى مدح الخليفة الفاطمي (المعز لدين الله)، الذي كان أتباعه ينظرون إليه على أنه ظل الله على الأرض، حيث قال له :
ما شئت لا ما شاءت الأقدار … فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي محمد … وكأنما أنصارك كالأنصار
أنت الذي كانت تبشرنا به … في كتبها الأحبار والأخبار

لكل صاحب سلطة حفنة من الموظفين والشيوخ والمتنفعين لتبرير سياساته و تسويقها للجماهير، و تحويل مظاهر فشل نهجه السياسي و الإقتصادي الى نجاحات و إنجازات في عيون الناس، و كلما كانت هذه الحفنة جاهلة للتميز بين الحرف و الموقف كلما كانت سبباً في إنخفاض شعبية صاحب السلطة و إنهيارها في بعض الأحيان، و كانوا سبباً في اتخاذ الشارع موقفاً سلبياً منه نكاية فيهم . و قد ظهر هذا جلياً في تسابق من يطلقون على أنفسهم وجهاء محافظة عجلون بإطلاق البيانات الهزيلة المضادة لبيان نسب الى “تيار أبناء جبل عجلون”.

أشعر بالشفقة على تلك العباءات لا على من لبسوها في إجتماع حاشد في عجلون، العباءة العربية التي اقترنت بالسيادة و رجولة الموقف و نصرة الضعيف أصبحت ترمز للذل و التبعية لأشخاص لا للمواقف. كم هو محزن كيف هرول هؤلاء صباحاً على لحم بطونهم لإستنكار بيان مجهول المصدر، بدلاً من إصدار بيان يعكس مطالب المحافظة المنسي تاريخها و المنكوب واقعها و الهزيل حال أبنائها و المجهول مستقبلها.

محافظة عجلون التي تعد واحدة من عشرة بؤر فقر موزعة في المملكة، لم يجروء ذواتها على الخروج ببيان يطالب الملك بتنفيذ وعوده اتجاه عجلون منذ ٢٠٠٨ كمنطقة تنموية سياحية، لم يجرؤا على المطالبة بحقوق مهضومة لشباب باحث عن فرصة عمل كريمة أو للمطالبة بضمان مستقبل أكثر أمناً لأطفال على مقاعد الدراسة في مدارس تفتقر للتدفئة أو لمتقاعدين يريدون ضمان كرامتهم بعد عطاء طويل.

إن استمرار الخطابات التي تستخدم نفس الكلمات المستهلكة و المكررة من المنافقين في مجازات السياسة و على ظهر العشائر و فقرها و تعسها، سوف تؤدي الى إنفجار أضخم، و إن استمرار تلك الحفنة من “السحيجة” و المنافقين بإتهام المعارضين لنهج الدولة في أنهم دعاة لإسقاط النظام، لدليل على قناعة راسخة لدى الدولة نحو الإستمرار بنفس النهج العقيم و دليل على عجزها عن تقديم أية حلول. الأردني أكثر حرصاً من الملك و الحكومة و أجهزة الدولة على استقرار النظام، ولكن لن يقبل الأردني بتعاظم ثروة و سطوة أبناء دابوق على حساب كرامته و لقمة أبنائه، فإن لم تقرؤا سطور الوجع المحفورة على جباه الناس … سنندم جميعاً .

#DrSaeedAlMomani

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى