بين” التطويع والتطبيع” وبناء الصفقات

 بين” #التطويع و #التطبيع ” وبناء #الصفقات
بقلم: د. #هشام_عوكل استاذ ادارة اازمات والعلاقات الدولية


في هذا الشرق لا تندلع الحروب فقط من أجل الخراب. أحيانًا تُشعل لتدق بعدها أجراس ما يسمى في  السلام ولتُعرض على الطاولة صفقات لم تُولد تحت القصف بل انتظرته لتنضج.
منذ أسابيع تابعنا ضجيج المواجهة بين إيران وإسرائيل. عناوين مخيفة. مقاطع ملتهبة. وبيانات عاجلة تتحدث عن تدمير وردع وإنجازات. ثم فجأة… الصمت. المفاعل لم يُدمّر. إسرائيل أعلنت الانتصار لكن بلا صورة. بلا مشهد. بلا لحظة انتصار تقنع حتى أتباعها.وايران اعلنت انها انهت الحرب بنصرها ٫
فجأةً تحوّل الانفجار إلى مساحة ترويج سياسي. من بدأ لا نعرف. من أنهى لا يهم. المهم أن الرعب عاد إلى الشاشة وعادت معه لهجة الواقعية السياسية ومصطلحات الفرصة الذهبية للتهدئة وإعادة هندسة الإقليم.
هكذا يعمل التطويع. ليس فقط بالقصف بل بالرواية. بالرعب المركّب الذي يُصاغ بمهارة لتجد الشعوب نفسها مذعورة من خطر لا تراه لكنها مطالبة بمواجهته عبر مسارات لا تفهمها.
ثمّة خيمياء سياسية (أي سحر سياسي يحوّل المبادئ إلى مصالح أو معمل لتحويل الرفض إلى قبول ناعم باسم الضرورة) تُمارس في أروقة القرار تطوع الشعوب قبل الأنظمة. تبدأ بضربة صاروخية وتنتهي بندوة تطبيعية عن العيش المشترك في جامعة أوروبية.
وربما علينا أن نتذكر أصل الفكرة. فالتطبيع يعني عقد السلام وفتح الأبواب أمام الدولة المحتلة بمصافحات علنية واتفاقيات موقعة. أما التطويع، فهو تليين العقول والمواقف دون ورقة ولا توقيع، بل تحت الضغط والتهديد والإنهاك. التطبيع هو إعلان، أما التطويع فهو انسحاب صامت. كلاهما يؤدي الغرض نفسه، لكن أحدهما يُصوَّر والآخر يُدسّ.
❗ إلى حماس
بعد قرابة عامين من حرب مفتوحة من تشريد مليون فلسطيني من تدمير شبه كامل للبنية في غزة من 120 ألف شهيد ومفقود
ألم يحن الوقت لموقف شجاع؟
ألم يحن لحظة تفكير عميق لا بالميدان بل بمصير الشعب الذي يُدفن كل يوم تحت أنقاض مشاريع أكبر منه؟
لقد رأينا كيف سلّم حزب الله رغم سلاحه قراره العسكري للدولة اللبنانية حين شعر أن بقاء الكيان اللبناني مهدد. فعل ذلك رغم كل نفوذه. فهل آن لحماس أن تسلّم ملف قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية رغم كل التحفظات عليها فقط من أجل إنقاذ ما تبقى من حياة؟
لا نتحدث عن القبول بالهزيمة بل عن الحكمة في اللحظة الفاصلة حين يكون الصمود هو التوقف عن النزيف لا الاستمرار فيه.
ربما آن الأوان لفك الاشتباك بين المقاومة والمغامرة بين المشروع الوطني والمشروع الحزبي. فلنخرج من سردية من أشعل الحرب؟ إلى سؤال من يستطيع إنهاءها بحكمة؟
ونحن نعرف تمامًا أنه لا يمكن بناء تحالف عربي دولي لدعم غزة في ظل غياب الغطاء السياسي الرسمي مهما كانت هشاشته. فالسياسة للأسف لا تعترف بالرموز بل بالأختام المعتمدة.
وفي خضم هذه المسرحية الإقليمية تطفو على السطح مبادرات التهدئة والاتفاقات المرحلية بين قطاع غزة وإسرائيل وكأن القضايا تُحلُّ على الطاولات اللامعة لا بين الركام. لا أحد يجرؤ على القول بوضوح إن لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية فلن تكون هناك تسوية ولا حتى وهم تسوية. لأن هذه المأساة الفلسطينية لم تعد قضية بل تحولت إلى ملف إنساني مؤجل في وقت لم يعد في القرن الواحد والعشرين مأساة متواصلة بهذا الشكل إلا هي.
ثمّة من يدير الانتصار إعلاميًا والهزيمة بصمت. انتصارات تُعلن قبل وقوعها وهزائم تُغلف بورق ناعم اسمه مصلحة وطنية. الشعب يعرف لكنه يُطالب بالصبر. الصبر على ماذا؟ على إعادة إنتاج كل شيء من جديد؟ على أن نعيش موتنا السياسي بنفس السيناريوهات وبأسماء جديدة؟
التحليلات الاستراتيجية ذاتها تُعاد. البيئة الإقليمية تغيرت. الأولويات تبدلت. الصراع انتقل إلى بُعد آخر. الجمل نفسها ولكن بملابس مختلفة. حتى الواقع لا يصدقها لكنه مضطر للتعايش معها. لا أحد يريد أن يقول إننا نراوح مكاننا لأن الحقيقة مكلفة والصدق ليس جزءًا من لغة الدبلوماسية الحديثة.
وفي النهاية….زاوية حادة تسئل
ربما تجري الصفقة في الكواليس بين حماس والدولة العبرية
لكن هل يعني ذلك أن المأساة الفلسطينية انتهت؟
الشعب الفلسطيني لا يحتاج صفقة عابرة
بل قيادة حكيمة وطنية مسؤولة
تعرف الفرق الحقيقي بين التطبيع والتطويع
وتعرف كيف تقود مشروع التحرر… لا مشروع إدارة الأزمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى