بين الأمس واليوم / جمال الدويري

بين الأمس واليوم

في عام 1976 كنا خمسة اخوة يستعدون للقيام باجازة من المانيا وايطاليا للوطن والأهل، انطلاقا من المانيا، وعن طريق البر بثلاث سيارات خاصة. وقد أقنعنا بعض الأصدقاء وخاصة تجار السيارات الذين يترددون برا بين المانيا والأردن، بأن نأخذ معنا ما تيسر من قديم الملابس والجينزات، لأنها قابلة للبيع على محطات الوقود والاستراحات في تركيا بشكل سيتكفل بمصاريف الرحلة وأكثر، والتي تمتد لعدة ايام.
أعطاني هذا الكلام صورة عن الفقر والحاجة التي يعيشها الشعب التركي انذاك، وما كذبنا خبر وحملنا معنا 3-4 حقائب اضافية على أمتعتنا.
وبالفعل، وفي المحطات الأولى في تركيا الجميلة الكبيرة، وجدنا كثر من الأتراك بحالة تصدق ما بين يدينا من صورة مسبقة عن الحاجة والعوز، حتى انهم كانوا يتشاجرون على اي شئ ينثرونه من الحقائب التي فتحوها هم، مجرد ان اخرجناها من السيارات.
المنظر غير جميل، ولا يغري ابدا بامتهان تجارة الشنطة المجزية على هذا الكم من الجوع المتحرك المتقن للغة السؤال بأبجديات متعددة.
طبعا…وأمام هذا الواقع، لم نبع اي شئ ولم نتقاضى فلسا واحدا، وتركنا كل شئ في أرض العمليات، وغادرنا بألم جم على شعب مسلم محتاج.
اليوم…نسجل 2018، والحال غير الحال، تركيا دائنة وغير مدينة، والأتراك يصنعون بقوة تاريخا ومستقبلا واقتصادا عالميا يتحدث عن نفسه، والكرامة الوطنية التركية تحركهم ولا تسمح لأيديهم الا ان تكون هي العليا.
والألم يعتصرنا على انفسنا وأبناء وطني وهم يخادعون الكرامة على أفواه الحاويات، يتسابقون مع القطط والهوام، يلتقطون منها ما تيسر لأية حاجة او سد رمق.
وهذا كله، من أجل وبسبب حفنة من الفاسدين الذين اشتروا بضمائرهم حسابات ودسم وغضب من الله وعباده، منهم الأردني ومنهم من تأردن ومنهم لا هذا ولا ذاك.
عصابة نسيت ان الكفن بلا جيوب، وان الله لسائلهم ومحاسبهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى