بيت الثقافة والفنون يستذكر رحيل درويش في عامه الحادي عشر بقراءات وشهادات شعرية

سواليف

أقيم يوم الخميس الموافق 15-8-2019 الاحتفال الحادي عشر لإحياء ذكرى وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش وسط حضور كثيف لمجموعة من الشعراء والمثقفين والأدباء، وذلك في بيت الثقافة والفنون وحسب الخطة التي يديرها البيت لإحياء ذكرى العظماء بالموازاة مع تكريم الأحياء منهم، وبدأ الاحتفال الذي أداره الشاعر علي الفاعوري بكلمات أشعلت روح الذكريات التي يحبها الناس في درويش وصوته الذي لايغيب عنهم ولا يفارقهم حين بدأ:
محمود درويش ..
لأنك لست هنا .. ولن تُعدَّ لنا القهوةَ بنفسك كما كنت تفعل مع زائريك .. ولأننا لا نحتسيها على مهل كما كنت تنصحُنا .. ولأنها صوتُ المذاق كما أوصيتنا .. نحن الآن هنا لنشربها تحت وقع غيابك الذي طال هذه المرة .. نشربُها حتى الثّمالة مُرّةً كمزاجك السّكري .. ونقرأُ جدارية حزنك علينا .. ثمَّ نُعلِّقُ ملابسك التي بلّلها مطرُ بيروت وتركتها وحيدة .. نعلّقها على حوافِ بيتٍ من الشّعر ما زال ناقصاً أحرفاً ثلاث .. علّها تجفّ
محمود :
لأنك لست هنا .. سنجمع ما تبقى من شيوخِ الكلام ليقرأوا في حضرة غيابك فواتح القصيدة عساك تغفر للنائمين على الجرح صومهم عن الكلام ..وسوف يبتدأُ الكلام .. فهلاّ أعددت قهوتك وانتظرت.. و حين أعود للبيت
و حيدا فارغا ، إلّا من الوحدةْ، يداي بغير أمتعة ، و قلبي دونما وردهْ، فقد وزعت ورداتي،على البؤساء منذ الصبح … ورداتي، و صارعت الذئاب ، وعدت للبيت، بلا رنّاتِ ضحكة حلوةِ البيتِ، بغير حفيف قلبها،بغير رفيف لمستها
بغير سؤالها عني ، و عن أخبار مأساتي، وحيدا أصنع القهوة، و حيدا أشرب القهوة، فأخسر من حياتي .. أخسر النشوةْ
رفاقي ها هنا المصباح و الأشعار ، و الوحدهْ، و بعض سجائرٍ .. و جرائدٌ كالليل مُسودّة، و حين أعود للبيت
أحسن بوحشة البيت، و أخسر من حياتي كل ورداتي،وسرّ النبع.. نبع الضوء في أعماق مأساتي”
ثم افتتحت الجلسة رئيسة بيت الثقافة والفنون الدكتورة هناء البواب بطلب أن يقف الجمهور دقيقة صامتة لروحه علّ الشعر وفاتحة الكتاب يصلانه ليعرف أن هناك من يعيش على ذكرى شاعر كان في مرحلة ما هو صاحب الكلمة والقضية، وأضافت إن درويش روح لن تغيب عن المكان، فهو الغائب الحاضر في الغياب كما حفظناه.
ثم قرأ الفنان عبد الكريم القواسمي من قصيدة : ” أت إلى عينيك
أنا آت إلى ظل عينيك ..آت
من خيام الزمان البعيد، و من لمعان السلاسل
أنت كل النساء اللواتي
مات أزواجهن، و كل الثواكل
أنت
أنت العيون التي فرّ منها الصباح
حين صارت أغاني البلابل
ورقا يابسا في مهب الرياح!

أنا آت إلى ظلّ عينيك.. آت
من جلود تحاك السجاجيد منها.. و من حدقات
علقت فوق جيد الأميرة عقدا.
أنت بيتي و منفاي.. أنت
أنت أرضي التي دمّرتني
أنت أرضي التي حوّلتني سماء..
و أنت كل ما قيل عنك ارتجال و كذبه1
لست سمراء، لست غزالا، و لست الندى و النبيذ،
و لست كوكبا طالعا من كتاب الأغاني القديمة
عندما ارتجّ صوت المغنين.. كنت
لغة الدم حين تصير الشوارع غابه
و تصير العيون زجاجا
و يصير الحنين جريمة
لا تموتي على شرفات الكآبه
كلّ لون على شفتيك احتفال
بالليالي التي انصرمت.. بالنهار الذي سوف يأتي
إجعلي رقبتي عتبات التحول،
أول سطر بسفر الجبال
الجبال التي أصبحت سلما نحو موتي !
و السيط التي احترقت فوق ظهري و ظهرك
سوف تبقى سؤال
أين سمسار كل المنابر؟
ثم تلا ذلك شهادة بين رفيقين وهما محمود درويش ويوسف عبد العزيز قرأها ومنها:
” اللقاء الأخير مع محمود درويش:في عمّان، وفي أواسط شهر تمّوز من العام 2008، قمنا بزيارتنا الأخيرة إلى شاعرنا الحبيب محمود درويش، وذلك قبل أيّام من رحلته الأخيرة أيضاً إلى فلسطين، ومن ثمّ إلى أمريكا حيث أجرى العملية الجراحية. كان درويش يبدو بكامل أناقته. وكعادته فقد قام بعمل القهوة، وبالمناسبة فقد كان درويش محترفاً في صناعة القهوة. في ذلك اللقاء تحدّثنا في عدد من المواضيع، وكان الشّعر هو الرابط المشترك بينها.أثناء ذلك أخبرنا درويش عن عزمه السّفر إلى أمريكا من أجل إجراء العملية الجراحية هناك. قبل ذلك كان طبيبه الفرنسي قد نصحه بعدم إجراء العملية، وذكر له أن الجنرال شارل ديغول كان مثله يعاني من تضخّم الشريان الأورطي، ولأنه أي ديغول لم يقم بإجراء العملية، فقد عاش عشر سنوات بعد اكتشافه للمرض، لكنّ الذي كان يقض مضجع درويش هو أن يصاب من جرّاء المرض بعاهة مزمنة، كأن يفقد قدرته على المشي، أو النّطق، وبالتالي أن يصبح عالةً على الآخرين. أخبرنا درويش أنه سيذهب إلى فلسطين، حيث سيزور أمّه وأهله وأصدقاءه في الجليل، قبل أن يغادر إلى أمريكا.
في مطار عمّان القديم، الكائن في حيّ (ماركا) ذهبنا لاستقبال جثمان درويش: هناك دخلنا إلى القاعة التي سيسجّى فيها. جلسنا والحسرة تملأنا. لحظات عصيبة ووصل الجثمان، ففاضت العيون بالدموع. كانت هناك بعض الكلمات التأبينية التي ألقيت، كما غنّى الفنّان مارسيل خليفة بحزن، مقاطع من قصيدة درويش (يطير الحمام).
انتهت الكلمات وانتهى الغناء، وانتهى كلّ شيء، فقد رحل الشاعر الأحبّ إلى قلوبنا، وها هو جثمانه الآن، محمولٌ على أكتاف ثلّة من أفراد جيش التحرير الفلسطيني، باتّجاه طائرة الهليكوبتر التي ستقلّه إلى رام الله في فلسطين. على أرض المطار وقفنا، لوّحنا للجثمان المسافر، لوّحنا بألم وتوسّل كأنّ درويش يرانا، وكأنّه عمّا قليل سيلغي رحلته، فيهبط من التابوت ويعانقنا.”
ثم ختم الاحتفال الفنان حابس حسين بقراءات متعددة منها قصيدة مديح الظل العالي:
بحرٌ لأيلولَ الجديدِ. خريفُنا يدنو من الأبوابِ…
بحرٌ للنشيدِ المرِّ. هيَّأنا لبيروتَ القصيدةَ كُلَّها.
بحرٌ لمنتصفِ النهارِ
بحرٌ لراياتِ الحمامِ, لظلِّنا ’ لسلاحنا الفرديِّ
بحرٌ’ للزمانِ المستعارِ
ليديكَ, كمْ من موجةٍ سرقتْ يديكَ
من الإشارةِ وانتظاري
ضَعْ شكلنا للبحرِ. ضَعْ كيسَ العواصفِ عند أول صخرةٍ
واحملْ فراغَكَ…وانكساري
….واستطاعَ القلبُ أن يرمي لنافذةٍ تحيَّتهُ الأخيرةَ,
واستطاع القلبُ أن يعوي, وأن يَعدَ البراري
بالبكاء الحُرِّ…
بَحْرٌ جاهزٌ من أجلنا
دَعْ جسمك الدامي يُصَفِّق للخريفِ المُرِّ أجراساً.
ستتَّسعُ الصحاري
عمَّا قليلٍ , حين ينقضُّ الفضاء على خطاكَ,
فرغتُ من شَغَفي ومن لهفي على الأحياء. أفرغتُ انفجاري
من ضحاياك , استندتُ على جدارٍ ساقطٍ في شارعِ الزلزالِ ,
أَجْمَعُ صورتي من أجل موتكَ’
خُذْ بقاياكَ, اتخذني ساعداً في حضرة الأطلالِ.خُذْ قاموسَ
ناري
وانتصرْ
ثم التقط الشعراء والفنانون الصور التذكارية ورحلوا يحملون صوت درويش داخلهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى