
التربية أولًا
درجت معظم وزارات التربية والتعليم في بلداننا العربية على تقديم التربية على التعليم وذلك لأهمية التربية, إذا لا علم بلا تربية, ومن يشاهد حال طلابنا اليوم يعجب أشد العجب لما آلت إليه أحوالهم من استهتار بالمعلم الذي هو بمثابة الأب والموجه والمربي – والذي إذا صلُح حاله صلُح حال التعليم -, وقد انعكس ذلك على سلوكهم في المجتمع فتشاهد تفشي بعض الظواهر السيئة كالدخان والمخدرات وبعض التصرفات المسيئة الأخرى التي لا تخدم المجتمع ولا تعكس صورة الطالب الحقيقي. وإذا أردنا الخوض في لب المشكلة لا بد من إلقاء نظرة على أحوال المعلم المعيشية ومدى تأثير ذلك على العملية التعليمية برمتها, هل أحوال المعلمين المادية في بلداننا مرضية؟ ولا تحيجهم للعمل بعد الدوام في مهن شتى حتى يستطيع معها الإيفاء بمتطلبات أسرته…ليس آخرها سائق تكسي أو بائع في بقالة مثلًا! والعمل شرف لا شك في ذلك ولكن المعلم وجد ليؤدي رسالة سامية لا ينبغي له أن يضطر للقيام بأعمال تضعه في مرتبة لا تليق به أمام طلابه. وبهذه المناسبة نوجه عناية المسؤولين في بلداننا إلى إيلاء هذه الشريحة من المجتمع أهمية قصوى. ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على أجور المعلمين في العالم لندرك عمق المأساة التي يعيشها معلمنا اليوم ففي التقرير الذي أعده مركز أبحاث التعليم العالي التابع لجامعة شيكاغو الأمريكية في أبريل الماضي حول رواتب المعلمين في بعض دول العالم، فقد جاءت أجور المعلمين في كندا في المرتبة الأولى بـ5733 دولارًا شهريًا للمعلمين الجدد، تلتها إيطاليا وجنوب إفريقيا والهند وأمريكا. ويصل متوسط رواتب المعلمين في هذه الدول الخمس إلى 6000 دولار شهريًا للمعلمين أصحاب الخبرة. وفي هولندا التي تعد من الدول المتقدّمة في مجال التعليم، حيث توفّر تعليمًا عالي الجودة للجميع، يحظى المعلّم في هولندا بالرعاية والاهتمام، ومتوسّط راتبه الشهري نحو 4500 دولار أمريكي، وهو يتقارب في ذلك مع راتب المعلّم في سويسرا، إلى جانب حصوله على العديد من المزايا، كالسكن والادخار والعلاج وغيرها. وجاءت الصين في المرتبة الثالثة قبل الأخيرة في التقرير الذي أعده المركز بـ720 دولارًا شهريًا.
والله من وراء القصد.