بوابة لا تليق بحجم #الوطن
م. #أنس_معابرة
قررتُ أخيراً زيارة الوطن براً، سأعبر خلال رحلتي الطويلة التي تتعدى ألفي كيلومتر أربعة مراكز حدودية. وفي الحقيقة كنت أخشى من المراكز الحدودية الثلاثة الأولى، أما الحد الرابع؛ فهو مركز حدود العمري، الذي كنت أتطلع للوصول اليه بفارغ الصبر، فهو بوابة الوطن.
لقد آثرتُ السفر براً على الرغم من أن التكلفة قد تزيد عن رحلة الطيران؛ إلا أنني رغبتُ في التجربة والمغامرة، خاصة في الأجواء الشتوية المعتدلة في المملكة العربية السعودية، التي سأقضي بها معظم رحلتي.
كانت البداية مع مركز حدود أبو سمرة في دولة قطر، ثم مركز حدود سلوى في المملكة العربية السعودية، ولم أجد في حياتي تسهيلات بهذا الحجم، حيث كانت الإجراءات سريعة ومُيسرة على الرغم من وصولي قبيل الفجر، وما هي إلا أقل من ساعة حتى عبرتُ الحدين المذكورين، ودخلتُ إلى المملكة العربية السعودية.
وصلتُ إلى مركز حدود الحديثة بعد الظهر من اليوم الثاني للرحلة، ولم يتعدَ وجودي هناك عشرين دقيقة، تشمل ختم الجواز والتأكد من البصمة وتفتيش السيارة وغيرها، وبعدها توجهتُ إلى مركز حدود العمري.
منذ بداية الرحلة وحتى الآن لم أكن بحاجة للنزول من السيارة في أي من المراكز الحدودية الثلاث، لان الخدمات تتم عبر مكاتب مؤهلة ومعدة خصيصاً لتسهيل عمليات المرور على الزائرين دون الحاجة لمغادرة السيارة، وتشمل تلك الخدمات تأمين المركبة والتأكد من الفيزا وختم جواز السفر، والتدقيق الأمني، والجمركي، وغيرها.
وما إن وصلتُ إلى مركز حدود العمري حتى طُلب مني النزول من السيارة والتوجه إلى مبنى الجوازات لختم الجواز، صحيح أن المسافة قريبة، ولكنها كانت صدمة لي بعد أن شاهدت مقدار التطور في دول الجوار. عدتُ إلى الموظف العسكري بالجواز المختوم فطلب مني التوجه إلى المبنى الثاني لتأمين السيارة. وعندما عدت بالتأمين؛ أعطاني بطاقة البيان الجمركي وطلب مني التوجه إلى مبنى ثالث لدفع “دخولية السيارة”.
طبعاً الموظف مشغول بهاتف خاص يضعه بين رأسه وكتفه، يأخذ مبلغ العشرين ديناراً ويعيد الوثائق إليك، ولا يذكر لك شيئاً عن ضرورة تناول ورقة دخول السيارة من الطابعة التي تبعد عنه حوالي الثلاثة أمتار.
أما بالنسبة للمنطقة الحرة؛ فلقد كانت الأسعار فيها أعلى من السوق العادي بكثير، وتتعامل داخلها على أساس أنك لص يعمل على سرقة خيرات الوطن، لدرجة تواجد موظف عسكريّ بجانب الكاشير للتأكد من الإلتزام بالكميات المسموحة.
والحق يقال؛ لم أجد معاناة في عملية تفتيش الأمتعة، حيث أكتفى الموظف بالسؤال عن محتويات الحقيبة التي أضعها في صندوق السيارة. وأخيراً بعد عناء طويل، وجولات بين الموظف والأبنية المختلفة وجدت نفسي أدخل إلى الأردن.
في رحلة العودة كانت الأمور أسوء بكثير، حيث طلبوا مني اصدار بدل مفقود للورقة الزرقاء التي لا يتكلف الموظف مناولتها للمسافر عند دخوله إلى الأردن، وعندما ذهبت للبحث عنها حيث أرشدوني؛ وجدت المئات منها، وعلى جميع هؤلاء المسافرين اصدار بدل مفقود برسوم خمسة دنانير للورقة الواحدة.
وفي صالة ختم الجوازات؛ وجدتُ ازدحاماً وصفوفاً متعددة من الناس، لم يتم تخصيص مسارا للأردنيين أسوة ببعض الدول، وكانت الحركة بطيئة جداً، إذ لم يتواجد على النوافذ سوى موظفان فقط.
وبعد أن ختمتُ جواز السفر للمغادرة وددتُ زيارة السوق الحرة التي تفتح على مدار اليوم، ولكنني وجدت أحدهم يصرخ في وجهي عندما فتحت الباب وهو يقول: “سكّرنا، تعال بعد نص ساعة”، وكأنه يحسبها بقاله خاصة يغلقها ويفتحها حسب مزاجه دون حسيب أو رقيب.
وبعد أن ذهبتُ إلى البوابة معتقداً أنني استكملتُ إجراءات الخروج؛ تفاجأت بمراقب البوابة يطلب مني العودة لدفع خروجية السيارة البالغة خمسة وعشرين ديناراً، وعندما عدت إليه بعد ربع ساعة؛ طلب مني العودة مرة أخرى لدفع خروجية شخصية بقيمة عشرة دنانير، وكانت المرة الأخيرة التي أعود فيها ولله الحمد.
لقد كانت تجربتي مع مركز حدود العمري عسيرة بحق، لم تسع السلطات هناك لإيجاد أي شكل من أشكال التسهيل على المسافرين، أو بغرض تشجيع الحركة السياحية خاصة للأخوة السعوديين القريبين من الحدود الأردنية، كما أنهم يتفننون في تصعيب الأمور على المسافرين وتأخيرهم واعادتهم من البوابات لأكثر من مرة.
لقد كانت تجربتي الأولى في السفر براً، ولم أجد تعليمات لاتباعها داخل المركز الحدودي، ولم أجد موظفاً ليشرح لي الخطوات التي عليّ اتباعها، وعند السؤال لم أجد جواباً وافياً وكافياً من الموظفين الذين يفتقرون إلى اللباقة في التعامل مع الزوار.
إن المركز الحدودي هو في المقام الأول بوابة للوطن، يرحب بالزوار والضيوف، يجدون فيه حسن الاستقبال، ووضوح التعليمات المطلوبة إما مكتوبة أو من خلال موظف مختص.
أما أن يكون المركز الحدودي سبباً لوأد السياحة والقضاء على الدخل السياحي للوطن، أو أن يكون المركز الحدودي مكاناً لتحصيل الرسوم بسبب ودون سبب كدخولية السيارة وخروجها، وخروجية الشخص، وتحصيل بدل مفقود وغيرها، فهو أمر مرفوض وغير مقبول.
إن مركز حدود العمري بوضعه الحالي بوابة لا تليق بحجم وطننا الحبيب الذي نتمنى له التقدم في كافة المجالات، فالمرافق بحاجة إلى اعادة ترتيب وتأهيل واختصارها في مبنى واحد، بدل من حيرة المسافرين بين المباني المتناثرة هناك.
كما أن الكوادر العاملة في المراكز الحدودية بحاجة إلى تدريب مختص في مجالات استقبال السياح والزوار، والتعامل معهم برفق، وعدم اعتبارهم محلا الاتهام والشك، والتعامل معهم بجلافة وخشونة.