بني ارشيد وترتيب البيت الداخلي للإخوان
أما وقد عادت الحرية للسيد زكي بني ارشيد بعد أن أكمل حكما قضائيا جدليا صادر عن محكمة أمن الدولة وذلك بعد اتهامه بإفساد العلاقات مع دولة صديقة على خلفية تصريحاته بخصوص سياسات دولة الإمارات العربية المتحدة ،فإن التساؤل القائم هو ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه السيد بني ارشيد في توظيب البيت الداخلي للإخوان المسلمين؟ . تنظيم الإخوان المسلمين اليوم وذراعه السياسي جبهة العمل الإسلامي ليس ذاته قبل دخول بني ارشيد السجن حيث يواجه التنظيم تحديات شتى ليس أقلها التفرق والتشعب والانشقاقات والاختلاف على ليس فقط على التنظيم والإدارة ولكن على النهج والمنهج والاستراتيجيات. قبل عامين كان الانقسام بين من جرت العادة على تسميتهم بالصقور المتشددين والحمائم المرنين الوادعين ،أما اليوم فجماعة الإخوان أصبحت جماعة “إخوان الحكومة” وجماعة الإخوان المسلمين الأصل كما أن تيارات جديدة قد ظهرت مثل “جماعة زمزم” المتجهة لتشكيل حزب سياسي والطرف الثالث الذي لا يدعم لا إخوان الحكومة ولا قيادة الإخوان المسلمين الأصلية وهؤلاء أيضا يتخذون إجراءات تصعيدية ربما تفضي إلى تشكيل كيان جديد.
السيد بني ارشيد وهو من فئة الصقور في الإخوان يعرف بمواقفه الصلبة والمتشددة وتمسكه بالأدبيات الفكرية التقليدية لجماعة الإخوان فهل تفرض مرحلة الفرقة التي يعيشها الإخوان على الأمين العام السابق للجماعة إبداء مرونة كبيرة، وإطفاء بؤر النزاع والتأجيج ، وفتح قنوات الاتصال والتوافق على حلول وسطية تضمن تماسك جماعة الإخوان واستمرار دورها الدعوي والسياسي على الساحة الأردنية؟ نعم هذا سؤال كبير يقتضي من السيد بني ارشيد والمراقب العام الحالي للإخوان المسلمين أن يغتنمان هذه الفرصة للوصول إلى حلول تخلص الجماعة من أزمتها .ولعلنا نقول هنا بأن السيد بني ارشيد يمكن أن يلعب دورا إيجابيا وفعالا في ذلك خصوصا وأنه كان بعيد عن التفاعلات والتصعيدات المتتالية في المشهد السياسي والتنظيمي لجماعة الإخوان لفترة ليست بقليلة من الزمن. صحيح أن بني ارشيد ومواقفه السابقة كانت متشددة وخلافية ضمن جماعة الإخوان المسلمين ولكن البيت الإخواني الان أحوج ما يكون إلى إعادة الترتيب واللحمة ،وهذا يتطلب ليونة ومرونة كبيرة ممن يقود إي جهد إصلاحي فهل يمكن للسيد زكي بني ارشيد أن ينهض بهذا الدور؟ الإجابة على هذا السؤال ستتضح في الأيام القادمة خصوصا وأن الجماعة على عتبة انتخابات داخلية سيتمخض عنها قيادة جديدة ومكتب تنفيذي ومجالس تمثيلية وتنفيذية جديدة . أخطاء جماعة الإخوان المسلمين كثيرة ووجود بعض الشبهات والمسلكيات الخاطئة في بعض الهيئات النقابية التي ترعاها أو تدعمها الجماعة لم يعد خافيا على قيادة الجماعة ومنتسبيها ومؤيديها ،وهذا ليس بشيء نادر وغير مألوف في التنظيمات السياسية الكبيرة والعريقة ، كما أن بعض المظاهر السلوكية التي تدور حولها شبهات الفساد تمثل مرتكبيها وليس بالضرورة تمثل الفكر الدعوي والسياسي الذي تحمله جماعة الإخوان. جماعة الإخوان المسلمين على مفترق طرق وتحتاج جهد كبير ومصداقية عالية من أي طرف يضطلع بهذا المسعى ونحسب السيد بني ارشيد والظروف التي مر بها في العامين المنصرمين ربما تؤهله لهذا المشروع . الإخوان المسلمين في الأردن لهم مناهضين كثر وخصومهم وفي مقدمتهم الحكومة لا يعدمون الوسيلة في شيطنة الجماعة والنيل من تماسكها وقد نجح هؤلاء الخصوم جزئيا في ذلك ، لكن ما ناله الإخوان من أنفسهم وما أحدثوه من شروخ في بنيتهم وهياكلهم ربما كان أكثر جسامة من خطط الحكومة ودهاليزها وترتيباتها.
ضعف الإخوان المسلمين وتفرقهم بالتأكيد لن ينفع الحياة السياسية الأردنية ولن يسير الإصلاح السياسي ولن تتطور الديمقراطية دون ناقدين ومعارضين ومطالبين بالإصلاح وأحسب هنا أن الاخوان المسلمين ،اتفقنا أو اختلفنا معهم ،كانوا وما زالوا من أبرز القوى الضاغطة على النظام من أجل إحداث الإصلاح السياسي المنشود .نسأل الله جل في علاه أن يهدي الإخوان لتصويب أمورهم وترتيب بيتهم واختيار قياداتهم لتستعيد الجماعة وحدتها وتسهم في إثراء المشهد السياسي الأردني بمواقف مبدأية تفضي إلى مزيد من المشاركة السياسية الحقيقية ،والاستقرار ،والتداول السلمي للسلطة ….