
الأديب الأدباتي
منذ الطفولة أدرك وقرّر أن يكون أديباً كبيراً ، يشار إليه بالبنان، كان طفلاً ذكياً وعلاماته شبه كاملة في جميع المواد ، حتى الرياضة والفن ، كان الجميع يتوقع منه أن يكون طبيبا أو مهندساً أو عالماً أو حتى وزيراً ورئيس وزراء .
لكنه كان قرّر مصيره ومستقبله منذ نعومة أظفاره
بعد أن حاز مرتبة متقدمة جدا في التوجيهي ، حصل على الكثير من المنح في دول متعددة واختصاصات متعددة ، لكنه رفض جميع العروض ، واشترى عددا كبيرا من الكتب وانتسب إلى العديد من المكتبات العامة ، وطفق يقرأ في كلّ شيء :
قرأ الأدب العربي منذ حروفه الأولى ، وتابع ما تجود به المطابع من غث وسمين … طبعاً لم يعد صاحبنا يختلط بأحد ولا يستمع إلى نشرات الأخبار ولا يشاهد التلفزيون ، كان يجلس فقط ويقرأ .
أحيانا كان يضع بعض الخطوط والإشارات والملاحظات على حواشي الكتب أو على دفاتر خاصة متفرقة ، مرقمة ومبوبة .
قرأ جميع ما ترجم من آداب العالم وفنونه وثقافته.
قرأ تشيخوف وغوركي وتولستوي ودستيوفسكي ورسول حمزاتوف وجنكيز ايتماتوف .
قرأ ألكسندر دوماس الأب والأبن والروح القدس .. قرأ هيجو ولامارتين وفولتير ورامبو .. قرأ شيلي وفرجيل وغوته وجميع الآداب والفلسفات الأوروبية … قرأ الأدب الأميركي والأفريقي والصيني والهندي والفارسي والياباني .. وآداب الأسكيمو….!!
خلال ذلك لم يتحدث مع أحد إلاّ لشراء أو استعارة كتاب .
حاول بعضهم عام 1948 أن يخبره بأنّ اليهود قد اجتاحوا فلسطين فلم يأبه وطفق يقرأ.
عام 1967 أخبروه عن احتلال بقية فلسطين وسيناء والجولان ، فلم يكترث ،
لأنه كان يعد نفسه لمهام أكثر سموّا .. كان يريد أن يكون كاتبا كبيرا يشار إليه بالبنان.
– زار السادات إسرائيل ولم ينتبه
مات السادات ولم يعبأ
دخلوا لبنان عام82 فلم يكترث
خرجوا ولم يأبه
محادثات السلام
غزة أريحا وبالعكس
الجدار العازل
قتل عرفات
احتلال العراق
لم يأبه لشي وطفق يقرأ ويقرأ ويقرأ بكل نهم وجدية وحماسة .
وعندما قرّر أن يكتب اكتشف أنه يعاني من خرف الشيخوخة. ومات عن تسعين عاماً ونيف … حيث طفق يقرأ حتى مات .
من كتابي(لماذا تركت الحمار وحيدا)الصادر عام2008
