بلا مجاملة
د. هاشم غرايبه
قليلة هي محاسن (الفسبكة = الحوار على صفحات التواصل الاجتماعي)، ومن أهمها أنها كشفت الذين في قلوبهم مرض، وهؤلاء مرضهم عضال، وأكثر أعراضه خطورة هي اعتقادهم بأنهم سليمون معافون، فيما أن المهتدين هم من بهم علة، الخطورة أنهم لا يبحثون لمرضهم علاجا ولا لحالتهم تصحيحا، فيزدادوا سوءا على سوء، وتتقلص فرص شفائهم، خاصة حينما يجدون ممن يشاكلهم دعما وتأييدا.
المشكلة تحدث دائما حينما يختلق أحد هؤلاء قصة، تمثل فكرتهم السقيمة عن الدين ومتبعيه، أو يضيف على قصة حقيقة من الزوائد والإضافات التي تتوافق مع ظنه السيء بالدين والمتدينين، لكي يخرج باستنتاج مفاده أن أخلاق غير المتدينين حميدة، وبالتالي فإن الدين لا يقوّم الأخلاق ولا يصلح الناس، بل هو مجرد غلالة زاهية يلبسها الناس لإخفاء عيوبهم والتظاهر بالصلاح والاستقامة، وغير المتدينين هم صالحون بذاتهم مستقيمون بطبعهم ولذلك استغنوا عن الدين!.
كتب أحدهم يقول إن كثيرا من اللواتي يزرن البيت الحرام للعمرة يتعرضن للتحرش الجنسي أثناء الطواف، وعلق بعضهم ممن هم سمّاعون لهم مؤيدين لهذا الزعم، بسرد مشاهدات عن محجبات يجالسن شبانا في اوضاع مشبوهة، أو ذوي لحى يغشون في البيع ..وما الى ذلك من القصص المعتادة التي يرمى بها عادة من تظهر عليهم إمارات التدين.
أجزم بأن الشكوى لا يمكن أن تكون صدرت عن مسلمة، بل هي خيالية أنتجها عقل مريض لشخص في قلبه مرض، وأعتقد أنه حتى لم ير الحرم إلا في الصور، فتخيل أنه في الازدحام والتدافع أثناء الطواف، فلابد أن تقارب الأجساد يغري بالتحرش.
من صبر وعانى وتكلف كثيرا حتى حقق رغبته بأداء العمرة، لا يمكن أن يضيع كل هذا الجهد الذي بذله حتى تحققت رغبته، ولا يقبل أن يخسر الأجر العظيم الذي جاء من أقاصي الأرض لنواله، من أجل ملامسة عابرة أو نزوة عارضة.
هذا الذي تقوّل هذه القصة لا شك لا يعرف معنى الإيمان ولم يذق حلاوته، ولم يعش تلك السويعات الروحانية لمن ناظر الكعبة وصلى لله وقلبه متعلق بها.
فمن عمي قلبه، لا يعرف معنى أن يقف الإنسان في ساحة الحرم، وهو يستذكر أن هذه البقاع المباركة، وطأها وترعرع فيها ونشأ سيد الخلق وأكرم البشر، وبالتالي ستبقى روحه محلقة بسمو ونقاء عاليا بعيدا عن الجسد وأهوائه، فلا يحس بمن يتدافع معه أهو رجل أم امرأة، فأحاسيسه ليست على الأرض بل في أعلى عليين.
هذا الذي يريد من لابسة الحجاب أن تكون قديسة طاهرة، وصاحب اللحية ان يكون وليا من أولياء الله الصالحين، ينسى أمرا هاما، وهو رغم أن هذين الرمزين أصبحا مرتبطين بالمسلم تحديدا، إلا أنهما كانا موجودان أصلا قبل نزول الدعوة، فلأن الحجاب ممارسة أخلاقية تعلي من شأن المرأة أقرّه، ووجد اطلاق اللحية تعلي من شأن الرجل فلم يمانع في ابقائها.
نسي هؤلاء أو أنهم يتناسون قصدا أنه لا حاجة لإصلاح الصالح، لكن الصلاح لا يدوم، يلزمه إدامة وصيانة، وهذا هو ما يفعله الإيمان بالله ودوام ذكره: تذكير دائم، وإحياء للهمم الكليلة، وتحفيز للتقدم الى درجات أعلى.
أما عدم الصلاح فهو وضع طارئ وحالة غير مستقرة، وهنا يأتي دور المصلحين، سواء كانت حالة مجتمعية عامة أو فردية محددة بأشخاص.
وفي كلتي الحالتين: الصلاح والفساد، لا توجد قوانين أو أعراف تقدم إجابات وحلول سوى منهاج الله القويم وتشريعات دينه
الدين كالماء الزلال النقي، ونفوس البشر كالأوعية، بعضها صقيل نظيف، وبعضها صدئ غير نظيف، يغير طعم الماء الذي ينقله، وقد يفسده.
ولما كان معادو الدين عاجزين عن تعييبه بذاته، فينصب اهتمامهم على البحث عن عيوب حامليه.
ولأنهم لا يستطيعون إنكار أن في اتباعه الصلاح والفلاح، لأنه يدعو للتي هي أقوم، لذلك يهاجمون دعاته، ولا يتورعون عن قتلهم، كما فعلوا مع سيد قطب والبوطي، أو يحرضون الطغاة على ذلك، مثل ما يفعلون مع القرضاوي وسلمان العودة وعبد العزيز الفوزان وغيرهم، إن رأوا في بقائهم خطرا على مصالحهم لأنهم يهدمون حججهم لعدم اتباعه، ويقلصون عدد من يشاكلونهم في الضلال.
شاءت إرادة الله أن يبقى للباطل أهله، وللحق دعاته، ولن ينتهي الصراع بينهما، لأنه وسيلة التمحيص الوحيدة.