بلا مجاملة

بلا مجاملة
د. هاشم غرايبه

منذ القدم، ظلت المنطقة العربية محط أنظار الطامعين في أملاك الغير، وهم سكان القارة الأوروبية، وتنازع على نهبها وإخضاعها لسيطرتهم عليها الإغريق والرومان مع الفرس في صراعات دامت قرونا، دفع كلفتها العرب كثيرا، مما أبقاهم أمة متخلفة.
ولما أن أكرمها الله بأن حباها بمناخ معتدل وارض خصبة كونها مركز العالم القديم، وبموقع جغرافي متوسط بين الأمم، لأنه هيأها لتكون مهبط الرسالات السماوية، التي مهدت للرسالة الخاتمة، وعندها كلف الله هذه الأمة بحملها وتبليغها للبشر كافة.
ذلك ما ضاعف العداء لها من قبل أشرار البشر ناهبي الخيرات، الذين لا يرقبون في سبيل تحقيق أطماعهم إلا ولا ذمة، فبعد أن كانت حروبهم عليها طمعا فقط، أصبحت فوق ذلك إرصادا وصدا عن منهج الله.
إن الله تعالى ما أنزل دينه على الناس لكي يهزمه الضالون، لكنه لم ينزل معه جندا من السماء يحمونه، إنما سلح المؤمنين بسلاح العقيدة الأقوى من أي سلاح اخترعه البشر، وطمأنهم الى أن “وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ” [المائدة:56] ، وأنه ” وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا” [النساء:141].
وفعلا لم يتمكن المعادون من الخارج في أي زمن من إطفاء نور الله، بل ما زال يتوهج ويتزايد انتشاره.في كل يوم، أما ما يتعرض الى الإنتكاسات فهم الأمة وليس الدين.
الدين مبادئ مقنعة وتؤيده حجج دامغة، لذلك فالباطل مهما تكاتف أنصاره لا يهزمه، ما ينهزم هو النفوس البشرية، فهي التي تضعف وتقوى، تضعف إذا ران على قلوبها حب الشهوات من الدنيا، وتقوى إذا شحذت همتها وانتصرت لمبادئها.
لقد رأينا أن جحافل الباطل المتكالبة للصد عن منهج الله لم تستطع الى ذلك سبيلا، لأن الله تكفل بدحرهم بيد من تمسكوا بمنهجه، فهو تكفل بنصر أمته عربا وعجما تحت مسمى أمة الإسلام، فنصرهم حين رفعوا شعار (الله أكبر) في بدر والقادسية واليرموك وعين جالوت وحطين وملاذ كرد والقسطنطينية، مع أنهم لم يكونوا الأقوى عسكريا، لكنه لم يتكفل بنصر الأمة العربية حينما رفعت شعار (أمجاد يا عرب أمجاد) في كل معاركها مع شرذمة قليلة من اليهود.
هكذا عرفنا سبب هواننا على الأمم الطامعة حاليا، فقد اطمأنت الى أنها نالت منا أخيرا بعد أن تخلينا عن سلاحنا الذي لا يقهر، فما الذي أودى بنا الى ذلك؟.
إنهم فئتان من المنافقين من بيننا من فعل بنا هذا، وليس أعداؤنا الخارجيين:
الفئة الأولى هم المنافقون الذين قالوا أسلمنا لكن لم يدخل الإيمان قلوبهم، لأن في قلوبهم مرض، فلم يكونوا يوما يريدون لهذه الأمة اتباع منهج الله، يحاربون من يدعون الى إقامة حكم الله، فيضطهدونهم تحت مسمى الإسلام السياسي، ويحاربون بشراسة من يدعو للإمتثال لفريضة الجهاد لمقاومة المحتلين الصهاينة ومن يدعمهم، تحت مسمى محاربة الإرهابيين، ويسفهون من يتبعه بدعوى أنهم يقصدون من يتاجرون بالدين، ويصدون الناس عنه بدعوى أنهم يمانعون الدولة الدينية ويريدون حماية الأقليات.
والفئة الثانية: لا تقل خطورة لأنها ليست في ظاهرها معادية للدين، بل هي تزاود على المتدينين، فهي تدعي أنها سلفية، فتراها تبالغ في الظواهر الدالة على التقى، مثل إطلاق اللحى ولبس الزي الأفغاني للرجال والنساء،..الخ، وهي فئة المتشددين.
خير تعريف يميز المتشدد عن المسلم القويم ما أورده الشيخ الشعراوي:
المسلم الحق مشغول بإيمانه والمتشدد مشغول بإيمان غيره.
المسلم الحق يسعى لإدخال نفسه وغيره الجنة، والمتشدد يسعى لإثبات أن غيره سيدخل النار.
المسلم الحق يبحث للآخرين عن الأعذار ليغفر لهم الأخطاء والزلات، والمتشدد يفتش عن أخطاء الآخرين وهفواتهم لمعاقبتهم والتكلم عنهم.
المشكلة الأعظم في هؤلاء لا يسعود إفساد الدين فقط، بل الأمة أيضا.
فقد وجد فيهم وكلاء المستعمر الذين يحكمون المسلمين بأمرهم، وجدوا فيهم خير عون على إدامة تركيع الأمة، هم يحاربون من يدعون لإقامة الدولة الإسلامية، بذريعة أنها متحققة في حكام الجزيرة العربية، والدعوة لغيرهم خروج على طاعة ولي الأمر، لكن ما يثبت أنهم أداة من أدوات تثبيت أنظمة الطواغيت العميلة للغرب، أنهم ينخرطون في جماعات سياسية منظمة، ليس لها من برنامج الا تبرير أفعال هؤلاء الحكام والدفاع عن سوء أفعالهم بحق الدين والأمة.
يجب أن نعلم أن الله لن ينصرنا الا إن انتصرنا على هواننا للمنافقين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى