#بلا_مجاملة
د. #هاشم_غرايبه
يخطر ببالي أحيانا تساؤل غريب: ترى كم دفعنا من كلف ودماء وعنت في العصر الحديث ثمنا لوجود جماعة الإخوان المسلمين؟.
ليس مبعث سؤالي استنكارا لوجودهم أو تحميلهم مسؤولية الكوارث التي أحاقت بالأمة، بل هو لتبيان مدى كره الجهات المعادية لهم، لدرجة أن ألحقت بالأمة كل هذا الويل والدمار في سبيل التخلص منهم.
لعل السبب في تركز الهجوم عليهم، ليس لأن منهجهم قد يفضي الى نشوء دولة إسلامية، بل لمجرد أنه أحد التنظيمين السياسيين اللذين ينفردان بإعلان السعي لذلك، والتنظيم الآخر الذي يتبنى الفكرة هو حزب التحرير، لكنه محاصر بشكل محكم بشكل يقيد انتشاره وتأثيره، فيما باقي التنظيمات العديدة لا تجد لها عداء، ولا تسمع لها هجاء.
منذ نجاح الغرب بالقضاء على آخر صورة للدولة الإسلامية ممثلة بالدولة العثمانية، كان همُّ الإستعمار الأوروبي منع توحد الأمة ونهضتها من جديد، ولأنه يعلم أن ذلك لن يتم إلا تحت عنوان إسلامي، فقد سعى الى تشجيع تكوين حركات لا تنتهج الإسلام، فَرَعى ثورة الشريف حسين، ودعمها عسكريا، لأنها كانت ترفع شعارات قومية عروبية، كما قامت البعثات التبشيرية برعاية حركات القومية العربية، فترعرعت الأحزاب العربية التي ترفع شعارات قومية في كنف الجامعة الأمريكية، ومن ناحية أخرى حاولت القوى الإستعمارية السيطرة على حركة الإخوان المسلمين من خلال الأنظمة العربية بالضغط لتحويل المنهج السياسي الى دعوي.
في مصر كانت الحركة الإسلامية هي الأقوى، لذلك لم يكن لدى عبد الناصر من خيار سوى استيعابهم في مجلس قيادة الثورة، فسكت عن ترؤس “محمد نجيب” الإخواني مؤقتاً الى حين تمكنه من الانقلاب عليه بعد سنة، تماما كما حدث مع مرسي الإخواني بعد ستين عاما، لكن عبد الناصر عندما عجز عن محاصرة فكر “سيد قطب” الرامي لاستعادة نموذج الدولة الإسلامية أعدمه، ثم أعلن حظر العمل السياسي للحركات الإسلامية، وحافظ كل من خلفه على نهجه هذا.
في سوريا، ظل القاسم المشترك لأنظمة الحكم المتغيرة هو منع الإسلام السياسي، وما كان انتهاج العلمانية بمفهوم حرية الرأي والمعتقد، بل بجزئية ضيقة، وهي ما يتعلق باستئصال الفكر الإسلامي فقط.
لم يختلف الوضع في العراق عن ذلك ولا في كافة أقطار العربية الآسيوية والإفريقية، فرغم التباينات بين ملكية وجمهورية، تقدمية ورجعية، وأنظمة تعلن ولاءها للغرب أو تخفيه، كان الثابت الوحيد الذي لا يتغير هو حظر الفكر الإسلامي.
بالطبع، ولأن ولي أمر كل الأنظمة في الأقطار الإسلامية هو ذاته، فقد مورس ذلك التضييق أيضا في الأقطار الإسلامية غير العربية :تركيا وإيران والباكستان ..الخ، وحتى تلك التي كانت في الاتحاد السوفياتي، سمح لجميعها بالاستقلال ما عدا الإسلامية منها.
هذا يثبت أمرين: أولهما أن القرار بالعداء للإسلام الحركي (يسمونه الإسلام السياسي) خارجي مفروض وليس من اجتهادات محلية، والثاني أن الصراع بين الأحزاب اليسارية والإسلامية مصنوع، وليس بين العروبيين والإسلاميين.
حاولت الأنظمة إيجاد وعاء منافس لحركة الإخوان بتشجيع تنظيمات صوفية بهدف تحويل التدين الى الطقوسية بدل السياسي، وتنظيمات سلفية تدعو الى التبتل والتنسك وطاعة الحاكم بدلا من العمل الحركي، والإنكباب على الصلاح الفردي بديلا عن إصلاح المجتمعات، فأنشأت المخابرات المصرية حزبا سلفيا ما زال الى اليوم مرتبطا بأحد مكاتب الداخلية، والبريطانية- السعودية أسست السلفية الوهابية، وفي بلاد الشام حركة الأحباش والصوفية.
هكذا نتوصل الى فهم أساس أزمات المنطقة، فهنالك صراع دائم، يسخن أو يبرد بحسب إقتراب الفكر الإسلامي من الوصول الى السلطة، فعندها تستنفر كل شياطين الإنس، حتى لو استدعى الأمر من مدّعي حماة الديمقراطية (الغرب) التدخل السافر عسكريا أو تدبير إنقلاب.
في التقييم العام نجد أن تجربة جماعة الإخوان المسلمين لم تكن ناجحة، إذ أنها لم تحقق ولو جزءا يسيرا من الهدف، لذلك ينبغي على مفكريهم المراجعة وإعادة تقييم المسار، لأن في التجمد عند رؤية حسن البنا قبل قرن خسارة وإعاقة للمشروع الإسلامي برمته.
وأعتقد أن هذه المراجعة ضرورية، وأهم العناصر المستهدفة الخروج من ضيق الأنانيات التنظيمية الى رحابة الإتساع الجبهوي، بالإنفتاح على كفاءات وأفكار كل العناصر المخلصة للهدف الجليل، وتأسيس تحالف عريض، يتجاوز التجمد عند إرث البنا، بل يجمع كل الساعين الى نهضة الأمة.