بلا مجاملة
د. هاشم غرايبه
صدمت الأمة بقرار #الرئيس #التونسي الإنقلاب على #الدستور، بتعطيل #الحياة #الديمقراطية بذريعة معالجة الأزمة الصحية الناجمة عن وباء كورونا.
لم يستغل أي حدث في التاريخ مثلما تم استغلال هذا الوباء في كافة أرجاء العالم لجني الأرباح والمكاسب وتمرير الأجندات السياسية، مما يستدعي من جديد مفهوم المؤامرة.
لذلك يمكن إعادة النظر فيما قيل عن خطورة انتشاره في تونس، إذ يبدو أن تضخيم أعداد الإصابات مبالغ فيه وأن مقولة انهيار النظام الصحي مقصود بها التهيئة لهذا القرار الذي يعتبر طعنة لنضال التونسيين في ثورتهم المجيدة عام 2011 التي خلصتهم من النظام الفاسد، وكانت شرارة البدء لسلسلة الثورات العربية، والتي تمكن الغرب المستثمر في أنظمة الفساد العربية من إجهاضها بمعونة حفنة من عملائه العربان.
بقيت الثورة التونسية هي الوحيدة التي سلمت من هذا التآمر…حتى الأمس.
السؤال الأول الذي يخطر في البال: كيف تمكن التونسيون من النجاة طوال السنوات العشرة الماضية، وهل يعقل أن تحالف شياطين الإنس والجن كان غافلا عنهم؟.
من تحليل الواقع التونسي نفهم السر، فقد تمكن (الفرانكوفونيون = علمانيو دول المغرب العربي) منذ بورقيبة من الإمساك بالسلطة، ونفذوا خطة (لفرْنسة) تونس، بقطع التواصل التاريخي والحضاري لتونس مع أمتها وعقيدتها ، لكن ارتباط الشعب الوثيق مع الإسلام أعاق تلك الجهود المحمومة، فظلت المقاومة لهذه الإجراءات مستمرة رغم القمع والتنكيل، الذي جعل تونس البلد الإسلامي الوحيد الذي تمنع فيه مظاهر الإلتزام الديني.
لذلك توسعت القاعدة الشعبية لحزب النهضة كونه إسلامي، والحزب الوحيد الذي تصدى لذلك، لأن الأحزاب العلمانية مؤيدة لإجراءات الفرنسة، فالأحزاب اليسارية أسسها رجال أعمال من تجار وصناعين، تزدهر مصالحهم بالالتحاق بفرنسا، وتمكن هؤلاء من السيطرة على النقابات العمالية بأوهام نصرة الطبقة العاملة، فكونوا مجموعات موالية لهم من الدهماء الحالمين بالهجرة الى فرنسا.
لم يدع النظام أية وسيلة قمعية إلا ومارسها لمحاصرة هذا الحزب، لكنه فشل، وأثبت ذلك حجم التأييد الشعبي له عند عودة الحياة الديمقراطية، فقد نال في أول انتخابات حقيقية 42 % من مقاعد المجلس الوطني وتعادل ضعف ما نالته الأحزاب العلمانية مجتمعة.
ولما كانت التهمة المعلبة للإسلاميين أنهم لا يتقبلون العملية الديمقراطية ولا يؤمنون بتداول السلطة، فلم يستأثر حزب النهضة بالسلطة رغم أن الديمقراطية تمنحه ذلك، بل لجأ الى الإيثار بهدف دحض الدعايات المضادة، فأشرك معه حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل الديمقراطي، وأطلق على هذا الإئتلاف (الترويكا).
بالرغم من الأوضاع الصعبة الموروثة من النظام البائد، فقد حقق هذا التحالف خلال سنواته الثلاث انجازات غير مسبوقة، فقد تم خلالها تخفيض نسبة البطالة من 18.9% الى 15.2%، كما ارتفع عدد السياح من 4.8 مليون الى 6.2 مليون، وارتفعت نسبة النمو من سالب 1.9% الى 3.9%.
أما الإنجاز الأهم فكان ترسيخ مطالب الثورة المتمثلة في الحرية والكرامة بانجاز دستور عام 2014.
بطبيعة الحال لم يهدأ بال لمعادي منهج الله، فقاموا بأيدي عملاء الغرب من تنظيمات سلفية مدسوسة باغتيال “بلعيد” و “البراهمي”، بهدف تحميل الوزر للإسلاميين، وفعلا نجحوا بادخال البلاد بأزمة سياسية لإبعاد الإسلاميين عن الحكم واللجوء الى التكنوقراط والذين منهم كان الرئيس “سعيّد”.
الآن دخلت تونس في النفق المظلم الذي دخلته قبلها مصر بعد انقلاب السيسي، وسوريا بعد إعادة الحياة لنظام بشار المحتضر، واليمن بعد انقضاض عملاء الغرب عليه لوأد ثورته المجيدة، لذا يجب على الأمة أن تتعلم الدرس جيدا، وهو أن أعداء منهج الله لن يقبلوا بتحكيمه في ديار الإسلام طالما أمكنهم ذلك.
إن الإستناد الى الفصل 80 من الدستور التونسي باللجوء الى التدابير الإستثنائية باطل، كون البلاد لا تتعرض الى عدوان داهم، بل فشل إداري، كما أن الفقرة الثانية من الفصل نفسه لا تبيح وقف أعمال مجلس نواب الشعب، بل العكس تماما، إذ تنص على: “ويُعدّ مجلس نواب الشعب (البرلمان) في حالة انعقاد دائم طوال هذه المدة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة”.
وسنرى كيف أن الغرب وأتباعه لدينا (علمانيي العربان) سيباركون هذه المخالفة الدستورية الصارخة.
فالديمقراطية هي مجرد رداءٍ زاهٍ يلبسه اعداء الله والناهبون لخداع البلهاء، وينزعونه إن أعاق اطماعهم.