بلا عنوان

بلا عنوان
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة

في خضم تزاحم العناوين في ذهني حول ما سأكتبه بعد إعفائي من مهامي كنائب رئيس جامعة اليرموك بالأمس ،وبعد مرور عامين على عمل متواصل لخدمة بيتي الثاني جامعة اليرموك، وبعد سجل طويل من العمل في معظم الجامعات الأردنية الرسمية فقد وجدت أن أنسب العناوين وأصدقها هو أن يكون عنوان مقالتي “بلا عنوان”.كنت في حيرة من أمري هل أكتب عن الفساد في الجامعات فقد كتبت عشرات المقالات وازداد الفساد ..هل أكتب عن اختطاف الجامعات فقد كتبنا واستنفذت أقلامنا ولم يتم تحرير الجامعات من قبضة بعض الأزلام ..هل نكتب عن تغول رؤساء مجالس الأمناء على رؤساء وإدارات الجامعات فوجدنا أن التغول مصطلح لا يفي بالغرض ولا يعبر عن واقع الحال حيث أصبح التغول تنمر وهو مصطلح كنا نعتقد لفترة طويلة أنه مقتصر على سلوك الأطفال حيث يسيطر الطفل العدواني المشدود القوام على الأطفال الآخرين ،لكن في حالة الجامعات فإن تنمر الكهول والعجائز أشد وطأة خصوصا عندما يصاحب التنمر العطش للسلطة(Power Starvation) وحب المال واستغلال العام لصالح الخاص..هل نكتب عن غياب الكارزما القيادية وعن النمط الكرتوني في الإدارة فقد كتبنا سابقا عن الإدارة من الجو وعن بعض الرؤساء عشاق السفر ممن يضعون ثيابهم بين أسنانهم ينتقلون من مطار إلى مطار يبحثون عن ضالة تسمى العالمية فلا يجدونها ولا سمعة عالمية وصلت إليها جامعاتهم ولا رتبة علمية استطاعوا أن ينقلوا إليها مؤسساتهم.
نعم مقالتي بلا عنوان ليس لقلة العناوين ولكن لكثرتها وازدحامها وتداخل موضوعاتها.جامعاتنا في مأزق حقيقي يدرك حجمه وجديته من انخرط في التعامل معه.القضية ليست مسألة مال فقط ولكنها مسألة رجال بشكل رئيسي…رئيس الجامعة قائد بكل معنى الكلمة فهو أب لكل الطلبة والأساتذة والكادر الإداري فإن لم تتوفر به صفات وكارزما القائد فلن يستطيع أن يكون مؤثرا ويمكن أن يتحول إلى مدير فقط يوقع البريد ويصرف الشيكات وينقل هذا ويعين ذاك.
أتاحت لي فرصة التقدم لرئاسة إحدى الجامعات أن أطلع على المعايير والأسس المطلوبة في التعيين فوجدت هذه الأسس يمكن أن تفرز مدير ولكن ليس بالضرورة قائد.عدد بحوث الأستاذ الجامعي لا تؤهله لقيادة جامعة حتى لو لديه الف بحث ،وحتى لو كان حاصلا على جائزة نوبل ،كما أن عدد المشاريع الدولية التي انخرط بها لا تضمن توفر المهارات القيادية اللازمة لقيادة جامعة.المهارات القيادية لا يتم قياسها يا وزير التعليم العالي بسؤال ساذج للمرشح بأن يثبت أنه قيادي وتتوفر فيه المهارات القيادية !القدرات القيادية تقاس بسؤال الناس والمؤسسات الذين قادهم هذا الشخص أو ذاك..القدرات القيادية تقاس بالرجوع لتوصيات المعرفين(Referees).ما الذي يمكن أن نفعله ببحوث الرئيس إذا كان مترددا خوافا لا يقوى على اتخاذ قرارات بسيطة ويخشى من احتجاج وغضب أتباعه.خوف القائد من أتباعه يشبه خوف الأب من أبناءه حيث أن ذلك يتسبب بضياع الأسرة أو خسارة المؤسسة سواء كانت أو وزارة أو جامعة.
المؤسسات الجامعية لها كرامات ومن يرأسها أو يترأس مجلس أمنائها ينبغي أن يدرك أنه يتبوأ منصبا له كرامة وعليه الارتقاء بهذه الكرامة والذود عنها والمحافظة عليها خصوصا وأن رئيس الجامعة ورئيس مجلس الأمناء يحظون بإرادات ملكية سامية تضفي على العنوان والمكان قيمة اعتبارية ورمزية ضخمة.رؤساء مجالس الأمناء ممن بلغوا من العمر عتيا والباحثون عن مياومات وسفرات ويحصلون على امتيازات وظيفية ومآدب ودعوات لا يرتقون لتوقعات جلالة الملك لمستوى هذا الدور في رسم سياسات الجامعات وتحديد توجهاتها المستقبلية. مؤسف ما وصلت إليه جامعاتنا ولم أكن لأكتب ما أكتب لولا أني وجدت نفسي فجأة وبدون توقع أو سعي لأكون نائب رئيس ثاني أكبر جامعة في الوطن فوجدت نفسي وجها لوجه مع قوى الفساد والإفساد.
حالة صراع عشتها غير مسبوقة عندما تقلب الحقائق، ويصبح الخير شرا ،وكسر القانون مرونة، والالتزام باللوائح تشددا ،والالتفاف على التعليمات والأنظمة تحت ذرائع حالات إنسانية إبداعا.
إلى طلبتي وزملائي الإداريين والأكاديميين أقول أنتم عماد الجامعات والإدارات لن تجد ما تديره بدونكم وبدون الطلبة.انتم معاول البناء وانتم من تصيغون فكر الأجيال وشخصياتهم.إلى زملائنا في اليرموك ومؤتة والبلقاء وآل البيت وهي الجامعات التي تشرفت بالعمل فيها أقول الأردن سيبقى بخير، وجامعاتنا سيأتي من يقودها إلى بر الأمان على خطى الأوائل من الرؤساء الكبار الكبار أمثال عدنان بدران وعبد السلام المجالي ومحمد حمدان وفايز الخصاونة وغيرهم.تحياتي لليرموكيون الذي لا تثنيهم هنات بعض الإدارات المختطفة إرادتها.أحد عشر رئيسا تعاقب على اليرموك جلهم تركوا بصمات وبعضهم لم نعد نتذكر أسمائهم وبعضهم أمره متروك للزمن والمقبل من الأيام . أما أنتم طلبتي الأعزاء فأعود إليكم وأنتم الأنقى لممارسة المهنة التي أحببت ومن أجلها ابتعثت وفيها وجدت نفسي…أليكم أعود لأجد لذة العطاء المباشر من العقل إلى العقل دون حواجز ومجاملات فارغة ودون ممالئة ونفاق وسنبقى على العهد والوعد بأن يكون الوطن غايتنا وديدننا…إليكم نعود عودة الأب لأبنائه وعودة المغترب لوطنه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى