بغداد قبل الغروب..

مقال الاحد 10-4-2016
بغداد قبل الغروب..
على طريقة العشاق الصغار الذين يهربون من كليّاتهم ليقابلوا حبيباتهم سراً..كنت أتحجج بأي شيء ، بموعد مع زبون مفترض ،بمراجعة طبية ، بتوقيع اتفاقية، بتحصيل ديون معدومة بأي شيء ..المهم أن أسمع أخبار بغداد…في العمل لا يوجد تلفاز ، و”الاننرنت” كان محصوراً بموافقة سكرتيرتنا الهندية واستخدامه للعمل الرسمي فقط ، أما الصحف الورقية فمشغولة بمناسبات مفرطة في البذخ ، وخبر انسكاب الدم العربي في المحيط العربي يوازي انسكاب علبة “مانيكور” لا أكثر….
كنت قلقاً..متوتراً..طوال الأيام العشرين…فور جلوسي خلف مقود السيارة …أقفز عن كل الأغاني والإعلانات التجارية، أحرك إبرة البحث لأسمع كلاماً مهماً عن بغداد وميناء ام قصر والرمادي…أركزّ سمعي عن “شظيّة” انتصار هنا..إسقاط مروحية للعدو هناك…عن أسر بعض الجنود العلوج..مقابلات مسجّلة معهم..وأكذوبة أبو منقاش الشهية …كنت انتظر أي شيء من أي شيء بأي شيء .. الا السقوط!!..
عشرون يوماً…وأنا على هذا الحال..أخرج باكراً من عملي لأقابل بغداد قبل الغروب..أمضي وحيداً، ليس بيدي حيلة شأني شأن 300مليون عربي ، خائف ومرتبك ، أمشّط الطريق الطويل شرقاً ، أقف على شاطئ الخليج أحياناً، أراقب السفن التي تغيب شيئاً فشيئاً في زرقة الماء…كما يغيب العصفور المحلّق في زرقة السماء..انتظر من قلب البحر معجزة…دوامة ، زوبعة غضب تولد هنا من قلب الماء ، أنا سأعطيها الإحداثيات …سأدلّها على ريح بغداد…التي تملأ ثيابي وشعري… علّها تقلب موازين الحرب ، وتنكفئ أمامها البارجات المصفّحة ، علها تبتلع الطائرات المقاتلة ذات اللون الرمادي..أشبك يدي خلف رأسي وأنادي…رباه “كل الأحزاب قد قدموا”..فمن يحفر لنا الخندق…ربّاه..من يحمل فأس سليمان لينقذنا…رباه إن بغداد بدت تغرق…
**
في التاسع من نيسان 2003..حملت أوراقي وجريدتي من مكتبي وغادرت أبكر من كل يوم ،السماء مغبرّة ،السّيارات مسرعة ، الإسفلت يلمع حتى خلته يدمع ، البحر المائج يتذوّق الرمل الأصفر على مضض، لم اعرف شيئاً بعد…مررت بمطعم في طريقي ، لم أرغب في الجلوس على الطاولة كما كنت افعل .. أخذت الوجبة معي إلى غرفتي المعتمة في شقة 202، ضغطت على زر “الريموت”..بحثاً عن الأخبار …شاهدت دبابة أمريكية على جسر دجلة..وصوت مذيع الجزيرة يتحدّث عن سقوط بغداد بحزن عميق …بكيت بأعلى صوتي ..انكفأت على سريري الحديدي ..خبأت وجهي في الوسادة وما زلت أخبئه إلى اليوم…

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫9 تعليقات

  1. لا تخبىء رأسك … بل فليخبىء رأسه ذلك العميل الذي ضحى بداره و عرضه مقابل فتات .. مقابل وعود بالمكافأت .. من ضحى برجل كصدام في فجر العيد .. هم لا يستحقونها .. نعم لا يستحقون العراق و لا يستحقون ان يكونوا مهابين كما كانو .. فليذوقوا طعم الذل و الخوف و الجوع لانهم باعوا كرامتهم بأبخس الاثمان .. نحن لا نخشى ايران و لم تكن يوما عدوا لنا .. من يخشى ايران هو نفسه الذي ضحى بعراق المجد و بفارسها .. نعم هم يتمتعون بغباء سياسي و ضعف بشري و فساد سواد قلب و و و .. فليبقوا خائفين الى ما شاء الله لانه من صنع أيديهم

  2. يوم سقوط بغداد .. كل واحد منا كانت له حكايته بتفاصيلها الدقيقة… بآلام ما زالت مزروعة على جسر دجلة .. وفي ساحة الفردوس .. لكل منا جراحاته التي ُتنكأ كل يوم مع كل حزن كربلائي متجدد في كل زاوية من زوايا العراق … وما زالت الخيانة تنسج عباءته السوداء د الممتدة على جانبي النهر حتى تصل أكمامها الى ام قصر … وعندما تهب الريح السموم نراها تفرد ثناياها على كل العراق

  3. كانت من أصعب اللحظات التي عاشتها العروبة الحقّة…. أجل لقد بكيتُ مثلك يا أحمد كطفلٍ فارق صدر أمِّه عند أول يوم فطام… بكينا بحرقة الأيتام على موائد اللئام فيما كان العزيز ماهر رحمه الله يصف مشهد السقوط المدوّي على قناة الجزيرة…… سقطت بغداد، فسقطت ورقة التوت عن آخر عورة لعروبتنا المستباحة…. سقطت بغداد الجبيبة، فسقطنا جميعاً… و ستنهض بغداد يوماً، و لكن هل سننهض نحنُ من سقطتنا أم أنَّنا سنبقى “أمّة ساقطة”!

  4. خليهم يدمروا بغداد و الشام و يدمروا مثل ما بدهم .. العمارات تتعمر .. و الجسور تنبنى .. يا حبيبي لازم التغيير .. لازم جيل جديد عقله مبني على اساس مختلف .. لا تبكي على بغداد .. بغداد و الشام رايح ييجيهم جيل قادر على فرض شروطه .. هذا الجيل هو نفسه الي انولد بظروف الحرب .. الجيل الي انولد وقت سقوط بغداد و دمار الشام ..

    لا تستعجلوا كثير .. التغيير بده ظروف و بده وقت .. لا تبكي .. خليهم يدمروا و يهجروا .. شو يعني .. الظلم رح ينتهي .. و الفساد رح يتنهي .. و المجرم رح يندم على فعلته…

  5. سقطت جميع الدول العربية في يوم سقوط بغداد ،،، وأصبحنا نمثل لا نسمع القصة المشهورة التي في نهايتها: “أكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.

  6. كانت بغداد كخيط المسبحه وعندما سقطت انفرطت المسبحه وسوف تتهاوى حباتها حبه تلوا الاخرى

  7. بعداد لم تسقط…بغداد هناك من خانها وغدر بها.واسقطها….خانها من كان يأكل من صجنها ويأحذ منها نفطا” مجاني فدخلتها الدبابابات من غرب الحدود وخانها من دافعت عنه بغداد 8 سنوات فأقلعت الطائرات من قواعدهم وأطلقت الصواريخ من اراضيهم وقدموها لايران على طبق من ذهب حمايه لعروشهم وسفالتهم..وها نحن نراهم الان كالطائر الذبيح الذي ينتظر نهايته المحتومه القريبه ان شاء الله..

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى