بعيدا عن “غيّر صورة بروفايلك ” / عالية الشيشاني

بعيدا عن ” غيّر صورة بروفايلك ”

الآن ،، وبعد ان هدأت “قليلا ” فورة الناس على مواقع التواصل الاجتماعي اثر قرار الرئيس الامريكي ترامب اعلان القدس عاصمة لاسرائيل ، وبعد ان خفت حدة الجهد الوقتي في التعبير عن رفض الجميع لذلك القرار الجائر، يمكنني ان ادلي بدلوي في هذه المسألة بعيدا عن التشنج .
بداية احيي كل من ابدى رفضه لهذا القرار وبأي وسيلة اتيحت له ، ودعونا نستعرض تلك الوسائل التي عبر بها الشارع العربي والمسلم عن رفضه لهذا القرار :
مظاهرات ومسيرات ووقفات احتجاجيه امام السفارات الامريكيه في بعض العواصم ، ومهرجانات شعبيه لتأكيد عروبة واسلامية القدس اقيمت في بعض عواصم شرق آسيا وفي تركيا . بالاضافة الى جهود الدول العربيه والاسلاميه على المستوى الرسمي للحد من اثار هذا القرار .هذا في العالم الواقعي ، اما في العالم الافتراضي فقد كانت الضجة اعلى واكبر اذ راجت حملة ( غير صورة بروفايلك) على جميع مواقع التواصل، ليحتل المشهد هاشتاغ مرفق بصورة لـ ” قبة الصخره ” .
والآن عاد كل شيء الى طبيعته وربما سيمحى اثر القرار الامريكي كما محي اثر جريمة احراق المسجد الاقصى عام 1969 وغيرها من الضربات الموجعه التي وجهتها لنا الدولة العبريه . ما الحل لكسب هذه الجولة من الصراع والجولات القادمه وصولا الى النصر النهائي ان شاء الله .
اكثر ما يقلقني هو ذلك الجهل الذي يزحف رويدا رويدا على عقول الاجيال الشابه ، اعني الجهل باحقية العرب والمسلمين في القدس وفلسطين بعامة . لا شك بأن العاطفه الدينية والشعور القومي ما زال متقدا لدى الاجيال الشابة ، لكن دون قاعدة راسخة من العلم بظروف الصراع واسبابه وجذوره ، وكذلك الاهداف النهائية للدولة العبرية لذلك لا تتعدى ردود الفعل الفزعة الوقتية كلما استجد امر جلل في الصراع العربي الاسرائيلي كهذا الذي نعيشه هذه الايام . كلنا يريد تحرر القدس وفلسطين من نير الاحتلال الاسرائيلي ولكن كيف السبيل ؟ التحرير يجب ان يكون مشروعا يتم الاعداد له جيدا عبر تثقيف الاجيال القادمه وتنويرها ، فهي تتعرض صباح مساء لكافة انواع المؤثرات السمعيه والبصريه التي تحاول زعزعة ايمانها بعدالة قضيتها .
احدى السيدات الشابات تساءلت امامي مؤخرا حول أي الفريقين احق بالقدس ، العرب ام اليهود ؟ باعتبار ان اليهود سكنوا فلسطين قبل العرب على حسب معلوماتها .
ابنتي المراهقه وقعت في ضيق عندما دخلت في نقاش على صفحات الفيسبوك اثناء الحملة التي امتدت لايام عقب اعلان ترامب قراره المشؤوم ، فقد اخبرتني ان ثمة شخصا انبرى لها اثناء النقاش واصفا الفلسطينين بالكلاب التي تطالب بما ليس من حقها وان فلسطين هي ارض اليهود وانهم سكنوها منذ القدم . رأيت الحيرة تعلو وجهها وهي لا تدري كيف ترد عليه ، استذكرت وقتها ايام كنت طالبة في المرحلة الثانوية ، كنا ندرس مادة القضية الفلسطينية ، وهو كتاب يشرح بالتفصيل تاريخ فلسطين وكيف ان كانت ممرا لاقوام ومقرا لاقوام اخرين ، كنا نتعلم في هذه المادة كيف ندحض الحجج الاسرائيلية في احقيتهم بفلسطين ، قلت لابنتي ان هذا الشخص اما جاهل او مستفيد وهؤلاء لن يجدي النقاش معهم شيئا ولكن بما ان النقاش يجري على منبر مفتوح، فلا بأس من الرد عليه لعل من بين من يحضرون النقاش اناس يرغبون بالمزيد من المعرفة .
طلبت منها ان ترد عليه بالاتي : لا يوجد في القانون الدولي مادة اسمها الحق الالهي الممنوح لجماعة من الناس يمكن ان تشكل مرتكزا لاحتلال ارض مأهولة من قبل جماعة اخرى وتفريغها من سكانها ، وان فلسطين في قلب العالم القديم ونقطة وصل بين الشرق والغرب ، وعليه فقد كانت محط انظار الغزاة والمحتلين بمختلف العصور ، فقد احتلها الفرس واليونان ، ومن بعدهم الرومان ، فهل هذا مسوغ لمطالبة هؤلاء باحقيتهم في فلسطين ، واذا سلمنا بهذا الامر فللعرب والمسلمين بالمقابل الحق في المطالبة باسبانيا وبجزيرة صقليه من ايطاليا لانهم حكموها قرابة الثمانمائة عام .
بعد ذلك عادت ابنتي لتخبرني انها ردت على ذلك الشخص كما طلبت منها وانه رد عليها بعبارات مضطربه ، ولاحقا حذف جميع مشاركاته في الحوار .
من هنا انادي بتثقيف الناشئة وتوعيتهم باهمية اعداد انفسهم جيدا ليكونوا لائقين بمواجهة ما
آت لا محالة ، من الضروري اعداد قواعد شعبيه مستنيره لا يتزعزع ايمانها بحقها ، يجب ان تبقى قضية فلسطين والقدس حية في الاذهان . فالعاقل يحدد هدفه اولا ثم يسير لتحقيقة بكل الوسائل المتاحة .
اقترح ان يعاد تدريس مادة القضية الفلسطينية في المراحل الثانوية في مختلف الدول العربية فهي خير معين لمن يريد ان يفهم الصراع العربي الاسرائيلي على الوجه الامثل ، واذا كانت هذه الخطوة صعبة التحقيق خاصة في البلدان التي ترتبط بمعاهدات سلام مع اسرائيل ، فيمكن للمواطنين اخذ المبادرة والعمل على توعية ابنائهم بانفسهم ، يمكنهم ( على سبيل المثال) تحميل كتاب القضية الفلسطينية للمرحوم اكرم زعيتر على الاجهزة الذكيه وتشجيع ابنائهم على قراءته ، وهذا ليس بالامر الصعب فتلك الاجهزة اصبحت في متناول الجميع ، في هذا الكتاب سيعلم القارىء كيف تمت سياسة التهويد بمساعدة الانتداب البريطاني ، وكيف تم شراء العديد من الاراضي في انحاء فلسطين من قبل منظمات يهوديه كانت مملوكة لبعض العائلات الاقطاعيه او لعائلات غير فلسطينية تقيم خارج فلسطين ، وادى ذلك الى تشريد سكان عشرات بل مئات القرى ، وكيف منعت السلطات انذاك تصدير الحبوب والزيت وهما اساس ثروة البلاد وذلك حتى تهبط الاسعار ويعجز الفلاحون عن تسديد ديونهم وتأدية ضرائبهم فيضطروا الى بيع اراضيهم .
في ظل هكذا اوضاع وعندما كان الفلسطينيون يهبون للمقاومة ورفض الهجرة المستمرة لليهود الى فلسطين كانت بريطانيا تصدر قرارات ظالمه ضمن قانون الطوارىء للقضاء على الثورة .
هناك العديد من المصادر ( ومن بينها قنوات فضائيه ملتزمه) التي يمكن للراغب بمعرفة تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي الاطلاع عليها ، وخاصة تلك المتعلقة بمذابح ارتكبتها عصابات صهيونية مسلحة بحق ابناء بلدات فلسطينية كمذبحة دير ياسين والدوايمه وقبيه وسواها . لقد اخفى قادة الحركة الصهيونية ذكر هذه المذابح ليوهموا العرب ان الفلسطينيين انما باعوا ممتلكاتهم ونزحوا من فلسطين بارادتهم ، مما يعطي الانطباع ان ما حصل في فلسطين انما هو نتاج تقصير الفلسطينيين وعدم انتمائهم لوطنهم .
الحركة الصهيونية بدأت منذ تأسيسها بحشد الطاقات الشابة لديها عبر اقامة العديد من المعسكرات في المانيا وايطاليا والنمسا ودول اوروبا الشرقيه ، للتدريب العقيدي والاعداد الفكري والجسدي لهؤلاء الشباب ، وما زالوا بعد عشرات السنين يحرضون التلاميذ الصغار في المدارس على قتل العرب باعتباره واجبا مقدسا . فالاحرى بنا ونحن اصحاب الحق ان نولي شبابنا وشاباتنا الرعاية اللازمة وان نطفىء في نفوسهم روح التخاذل لتحل محلها قيم الشجاعه والبطولة والاقدام .
ان قراءة واحدة متأنيه لسورة الاسراء في القران الكريم كفيلة بشرح اهداف هذا الحشد الصهيوني في فلسطين ، ويجب ان يقابله حشد مماثل متسلح بالايمان والعزيمة والوعي ، والله غالب على امره .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى