“بعبع” الامتحانات الفصلية / شروق طومار

“بعبع” الامتحانات الفصلية
شروق جعفر طومار

منذ زهاء ثلاثة أسابيع دخلت معظم البيوت الأردنية في حالة طوارئ غير معلنة مع انطلاق موسم الامتحانات الفصلية لطلبة الصفوف جميعها، بما فيها الامتحانات التجريبية للثانوية العامة (التوجيهي). للذين لم يجربوا مثل هذا الموسم، لا بد أن نقول لكم إنها فترة أقل ما يمكن أن توصف به بأنها فترة عصيبة.
عائلات الطلبة تتورط في عشرات الصفحات وأحيانا في أكثر من مائة صفحة لكل مادة، يحاولون جاهدين أن يسلكوا سبيلا إلى إنهاء مراجعة تلك الصفحات بأقل الخسائر، مع علمهم المسبق بأن هذه المعركة الطاحنة لن يغنم منها أبناؤهم الكثير، إذ إن معظم المعلومات التي يتم حشوها من هذه الصفحات الكثيرة في ذاكرة الطالب تتسرب منها بمجرد خروج الطالب من قاعة الامتحان.
مسألة ضبابية الرؤيا فيما يتعلق بنظام تقييم الطلبة المقتصر على هذا النمط التقليدي من الامتحانات الخطية التي تستنزف الطلبة والأهالي معا دون فائدة تذكر، ليست مقتصرة فقط على المدارس الحكومية بل تتعداها نحو كثير من المدارس الخاصة التي تحاول إيهام الأهالي أثناء رحلة بحثهم عن مدرسة جيدة لأبنائهم، بأن لديها خطة مختلفة لعملية التعليم ستبقي الأهل بمعزل عن التدخل المباشر في تلك العملية.
لكن، سرعان ما ينكشف الزيف، ويكتشف الأهل بأنهم وحيدون في ميدان تدريس أبنائهم وبأنهم مطالبون بأن يكونوا هم من يؤدون عملية تعليمهم، رغم المبالغ الطائلة التي يدفعونها لهذه المدارس مقابل القيام بهذا الدور بالكامل، ويتبين حينها بأن مقولات إدارات المدارس ماهي إلا دعاية غير صادقة من أجل التسويق للمدرسة، بينما هم في الواقع لا يمتلكون أي أسلوب أو رؤية تمكن الطلبة من تحصيل علم فعلي من داخل المدرسة فحسب دون الحاجة لجهود الأهل ليرمموا خراب الرسالة وقصور النظرة لهذه المدارس، فما الذي تقوله لنا هذه الظاهرة؟
في أبسط تجلياتها، تقول هذه الظاهرة – المحنة بأننا في الأردن لا نمتلك أي رؤية لما يتوجب أن تكون عليه عملية التعليم برمتها. نحن لا نملك نظرية أو منهجا لذلك. كما أننا لا نمتلك تخطيطا قائما على منهجيات القياس التي تستوجب وجود سلة أهداف قابلة للقياس في نهاية المطاف.
حتى اليوم لم تستطع معظم مدارسنا تخليص الأهل من معضلة تدريس أبنائهم، ولم تستطع أيضا أن تبني آلية للتقييم تؤدي إلى فرز الطلبة وفقا لمستوياتهم وقدراتهم المختلفة ومحاكاة ذكاءاتهم المتعددة وتحفيزها، لكي تخرج من الطالب أفضل ما لديه ومن ثم تأتي عملية البناء والتطوير في اتجاهات مختلفة تتناسب مع الذكاءات والمهارات الخاصة لكل طفل.
للأسف الشديد، ظلت امتحاناتنا إلى اليوم امتحانات عامة لا تقيم سوى مقدرة الطالب على الحفظ، ومقدرة الأهالي وخصوصا الأمهات على التدريس وعلى الصبر، ومع إخضاع الطلبة لامتحانات بهذه الآلية العقيمة في مادة الكتاب كاملة معظم الأحيان رغم أن أجزاء منها تم اختبارهم بها مسبقا، فقد تحول موسم الامتحانات إلى “رهاب” يطارد الأهل وأبناءهم، بدلا من أن يكون فرصة لهؤلاء الطلبة للتنافس فيما بينهم لإثبات تميزهم وإبراز قدراتهم ومهاراتهم كل في المجال أو الجانب الذي يتميز به.
هذا “الإرهاب” الذي تمارسه المدارس؛ الحكومية والخاصة، هو تجسيد لفشلها المزمن في تبني أسلوب عصري لإدارة التعليم والتلقي والاختبار، ولإخفاقها في وضع نظرياتها وأساليبها الخاصة للعملية، لذلك فهي تلجأ إلى أبسط الأساليب وأدناها كلفة وأقلها حاجة للجهد والتطوير، وهو فشل ينبغي أن ننظر له ولكلفته من جهتين؛ أولا: الكلف التي يتطلبها الالتحاق بهذه المدارس، وثانيا: كلفة التخلف من خلال الفشل في وضع تلك النظريات أو الأساليب، وهي كلفة ربما تكون أكبر بكثير من أن تقاس بالمستوى المادي.
في ظل هذا الفشل المركب، هل نتوقع من مدارسنا أن تمنح أبناءنا ما يحتاجونه لتحقيق التنافسية في المستقبل؟ للأسف الشديد فإن تلك آمال غير منطقية أبدا في الوقت الراهن!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى