بطة العم تولستوي

بطة العم تولستوي / #يوسف_غيشان

غنّتها صباح ولحنها فريد الأطرش، وكانت من اكسسوارات فيلم قديم، لم يتسنّ لي التأكد من اسمه…. أقصد أغنية (أكلك منين يا بطة؟)، التي انتشرت، ربما في النصف الثاني من سبعينات القرن المنصرم. على كل هذا ليس موضوعنا، بل مجرد مدخل الى (بطة) اخرى…. هي بطة العم تولستوي.
في إحدى قصص تولستوي القصيرة تحدث عن بطة كانت تسبح مع رفيقاتها فوق مياه البحيرة الصافية. شاهدت البطة انعكاس الهلال على سطح الماء فاعتقدت بأنه سمكة، فغطست في الماء لتصطادها لكنها لم تجد شيئا، ولما رفعت رأسها من الماء وجدت رفيقاتها يسخرن منها ويضحكن عليها.
خجلت البطة وطأطأت رأسها، وصارت تخشى كلما رأت سمكة أن يكون الأمر مجرد انعكاس للقمر على سطح البحيرة، كما حصل معها، وبقيت البطة هكذا: خجلانة ومكسورة …. حتى ماتت من الجوع!
هكذا تكلم تولستوي، أما ما لم يقله تولستوي، فهو أن الكثيرين منا يعيشون ويموتون على طريقة البطة السوداء تخجلهم المحاولة الأولى الفاشلة، ويحبطون من ردات الفعل الأولى وينكمشون على أنفسهم حتى توافيهم المنية.
مشاريع كتاب وشعراء وفانين كثر أحبطتهم ردة الفعل الأولى على بواكير انتاجهم فتوقفوا عن الإبداع المباح حتى جاءهم هادم اللذات ومفرق الجماعات.
رياضيون كثر دمرتهم عثرة المحاولات الأولى، وربما مخترعون و و و و و!!
تخيلوا لو أن أديسون مثلا – وليس على سبيل الحصر-تخلى عن محاولة ابتكار المصباح الكهربائي، لو انسحب من التجربة الأولى الفاشلة التي تبعتها حوالي ألفا محاولة فاشلة أخرى، حتى نجح.
تخيلوا لو ان أديسون فعل كما فعلت البطة التي تحدثنا عنها ..بالتأكيد كان تأخر اختراع المصباح الكهربائي الى 50 عاما أخرى على الأقل- حتى يكون قد جاء مخترع غيره لا تحبطه المحاولات الفاشلة- وتأخرت بذلك الاف المخترعات الحديثة ، ولكنا اليوم – مثلا – نعيش ونعتاش على تكنولوجيا الخمسينات ، بلا كمبيوتر ولا نت ولا ولا ولا ولا!!
أقول قولي هذا لعله يؤثر في شابة أو شاب احبطه من حوله، فانكمش كالبطة ……ولا أقول له شيئا سوى سرد قصة بطة المرحوم تولستوي، فإذا ارتضى هذا المصير لنفسه، يكون قد استحق ذلك بالفعل وعن حق وحقيق!!

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى