بسام البدارين يكتب .. لماذا هدمت «صوامع القمح»؟

#سواليف

كنت للتو قد غادرت من اتصال هاتفي مع أحد الوزراء الأردنيين يتهمني فيه بمناكفة ورشة عمل اقتصادية قبل أن تنتهي من فعالياتها.
فهمي الشخصي بقضايا #الاقتصاد يقتصر على متابعات بسيطة جدا ولكن بعد ذلك الاتصال الساخن سألت ضيفا خبيرا عن رأيه وتقديره في مسار تحرير الإمكانات الاقتصادية؟
تنهد قليلا ثم ابتسم وابتعد عن السؤال طارحا علي سؤالا مختلفا: هل سمعت يوما عن #حكومة تهدم #صوامع_القمح ؟
استغربت السؤال، وعلى حد علمي هدمت صوامع القمح لأغراض استبدالها والتوسع في مشروع استثماري، لكن صاحبنا عبر بوضوح عن قناعته بأن الحكومة التي تقرر يوما لأي سبب هدم صوامع قمح عملاقة، بنتها الدولة بالعرق والدم والمال أقل ما يقال عنها «حكومة لا تفكر خارج الصندوق فقط بل تركل الصندوق نفسه».
لكن قصد المعلق التأشير على أن من ينظر من #الحكومات المتعاقبة لهدم صوامع القمح دون تبرير من الصعب عليه أن يقنعنا جميعا بأن لديه خطة حقيقية لتحفيز النمو الاقتصادي أو لتحرير الإمكانات والتخطيط للمستقبل بدلالة أن العدو الإسرائيلي الأزلي للأردن والأردنيين يقتنص اللحظة، وبدأ يتحدث عن مرافق ومشاريع ثنائية لتخزين الغذاء والحبوب والقمح.
المعنى هنا تكرار تحذير تبناه زميل في جلسة مغلقة: الأمن الغذائي بعد الطاقة والمياه في طريقه لأحضان العدو. يجعل ذلك هدم الصوامع، بصرف النظر عن خلفيته خطوة المقصود منها خدمة مشاريع لها علاقة بما يسمى السلام الاقتصادي.
عالجني خبير آخر وبالصدفة المحضة وبصدمة كهربائية للعقل عندما طرح سؤالا جديدا: هل توجد حكومة عاقلة في الدنيا تغلق الإدارة الخبيرة المختصة لديها في مجال المصادر الطبيعية؟
حيرتني هذه المعلومة أيضا فأنا كمواطن أعلم بأن سياسة التقشف وتقليص عدد المؤسسات أخرجت من الخدمة مؤسسة مختصة بالمصادر الطبيعية.
لم أعلم بأن أرشيف هذه السلطة وبنيتها في المعلومات الوطنية المهمة حول ما في جوف الأرض، خرج من الخدمة أيضا، حيث سأل القوم عن البيانات والمعلومات فلم تكن بحوزة الحكومة بل عند شخص ما في مكان ما لا أرغب بذكره الآن.
تقول المعلومة بأن إنفاق الأردن على استكشاف المعادن يحمل الرقم «صفر» وبأن المعلومات الوطنية حول أصول وجذور المعادن تحت الصفر بشحطة.

الخطوات الثلاث باختصار هي حكومة قوية فعلا تستعيد الدولة، وانتخابات بلا هندسة، والعودة لاختيار ممثلي الإنسان الأردني في المناصب العليا

وتقول المعطيات أيضا بأن التراب الوطني فيه مخزن ضخم من أنفس المعادن في الكرة الأرضية، والمملكة موجودة في حوض جغرافي كامل يقيم على بركة معادن، رغم ذلك وبدلا من إنشاء وزارة مختصة بالثروات الطبيعية تم إغلاق السلطة الوحيدة المعنية.
لا أحد يعلم بعد لماذا وكيف وعلى أي أساس حصل ذلك؟
شخصيا لم أعد أعلم وبصراحة بعد سماع واقعتي هدم الصوامع وإغلاق سلطة المصادر، ما الذي كان يفعله كبار وعلية القوم من التكنوقراط والبيروقراط طوال نصف القرن الماضي؟
هنا بصراحة تبرز الأهمية الاستثنائية لتشكيل حكومات سياسية بمطبخ زعامات وطنية قادرة على اتخاذ القرار بينما تسترسل البلاد منذ عقود في تقليب خيارات التكنوقراط الفني وتسليمه مسؤوليات سيادية وسياسية وبصورة ألحقت الضرر بالسيادي نفسه قبل الوطني.
لا أريد الاتفاق مع العبارة التي تقول إن التكنوقراط بطبعه لا يتخذ القرار المناسب سياسيا.
لكن بت أميل للإيمان أن اعتماد شرائح تكنوقراطية وبيروقراطية لم يعد كافيا الآن، ولا مطلوبا، وأننا سنستمر في الغرق بوحل التساؤلات وغياب اليقين ما لم تتخذ الخطوة الحقيقية الجذرية المطلوبة في أزمة الأدوات عبر العودة إلى مربع تشكيل حكومة سياسية صلبة وقوية تستعيد الدولة أولا.
لا تستطيع تشغيل سيارة بدون إدارة المفتاح.
ولا تستطيع الدخول الى المنزل بدون فتح الباب أو تحريك مقبض الباب الى الأسفل. وفكرة إصلاح الطائرة المعطوبة أثناء التحليق بائسة وسقيمة وعدمية ولا تخلو من الخبث والإحباط.
باختصار لا أزعم أن لدي كل الأجوبة المتعلقة بسؤال أسباب وخلفيات هدم الصوامع وإغلاق سلطة المصادر الطبيعية وتشريد خبرائها.
لكن أزعم أن إصلاح ما يمكن مستقبلا لا بل تحرير الإمكانات حقيقة يتطلب تشخيص ما حصل والإجابة على تلك التساؤلات وهي مفتوحة الآن للحكومة لتقول روايتها للأحداث.
حاجتي اليوم كمواطن ملحة، وأريد أن أفهم لماذا لم أزرع قمحا أو شعيرا في الماضي، ولماذا لم تستخرج بعض المعادن في باطن الأرض التي يمكنها إعفاء البلاد والعباد من تراكم المديونية؟
الجواب أعقد من السؤال لكن بانتظار البحث والتدقيق والتشخيص من أجل المستقبل لا بد من التذكير مجددا بثلاث خطوات إصلاحية ضرورية قبل تدشين اي حوار لتحرير اي إمكانيات.
الخطوات الثلاث باختصار هي حكومة قوية فعلا تستعيد الدولة، وانتخابات بلا هندسة، والعودة لاختيار ممثلي الإنسان الأردني في المناصب العليا. دون ذلك سيبقى قمحنا في العراء ومعادننا في باطن الأرض.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

المصدر
القدس العربي - بسام بدارين
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى