مقال الإثنين 28 – 2 – 2022
بكل أسف نحن لا نمضغ اللحظة، نحن نبتلعها..نحن نلهث ولا نتنفّس ،نشرب ولا نتذوّق، لا نستمتع بالتفاصيل التي حولنا ، لا نسبّح بما بين أيدينا من نعم وثروة ،بل نعدّ ما ينقصنا ، نحن جميعنا على قيد الحياة ، لكن القليل منا من يعيشها…
**
واحدة من #أوجاعنا أننا لا ننظر إلى #السماء ،لا نتأمل هذه الفسحة المدهشة والمجّانية ، نمضي جل يومنا رؤوسنا نحو #الأرض ، مثل القطعان والدواجن نبحث عن مآكلنا..
في السماء مثلاً في هذا البرواز الأزرق ،يدهشني سلوك #الغيمة وهي تتهادى كعروس محمّلة بحليّ المطر ، تسير فوق هذه #الجغرافيا كلها ،تقطع الحدود بلا جواز سفر، لا تأبه بالجيوش ، وتزدري كل العروش وتمضي بطريقها..من حرّكها؟؟ كيف حرّكها..ولمن ستزّف هذا المساء وأي الحقول ستحتفي بها..الله.
في السماء ، في البرواز الأزرق ، عصفور يطير كل صباح ، يجوب المدى بجناحيه ، ليس له راتبٌ شهريٌّ ، ولا يحظى بأي تأمين صحّي، وغير متقاعد ضمان..يطير كل صباح وقد بسط الله له كفّه وطمأنه، لا نخاف ولا تقلق أنا معك.. لا مرعوب ولا يبحث عن وسيط..من تكفّل برزقه؟؟ من أعطاه كل هذه الطمأنينة بالحياة ليظل حرّاً مستقلاً طليقاً؟…الله..
في البرواز الأزرق أمواج من الحمام ، تطوف على شكل حلقات، تتعرّج بحركات متّفق عليها ،لا تصطدم ببعضها، ولا تتقاتل على سيادة أو زعامة ، الحمامة الأخيرة لها واجب كما الأولى ، لا تسّعى أي منهن الى التميّز أو البروز..يعرفن معنى الفرح ، آخر النهار يعدن الى بيوتهن بكل هدوء وقد كتبن بأجنحتهن قصّة على صفحة السماء لا يقرؤها الا “سليماني” القلب..
في البرواز الأزرق، غراب يخاف الفلاحون منه على محاصيلهم ، تتشاءم العجايز من نعيقه ، وتختبئ الزواحف مجرّد أن نعق في السماء ، لكني أتعاطف معه كثيراً فهو الشاهد الوحيد على جريمة الانسان الأولى، ودليله في التصرّف ، لا ذنب له بشكله القبيح وبريشه الأسود وصوته المخيف ، هو مجرّد مخلوق..ولا ذنب له أن يكون وصفه الوظيفي ملتصق بالموت والخراب..من بيننا من هم “حفّار قبور” و”دافن موتى” ،و”متعهّد هدم وإزالة أبنية”..هو فاصلة مهمة في دفتر السماء ،بين فقرتي تأمل وتذكّر ..بين حاضر وماضٍ…يأتي ليقول أنا النهاية…
كسائح أمشي في متحف الوقت ، أتوقف طويلاً أمام “البرواز الأزرق” أناجي الله بكلمتين..” ما أعظمك”..ثم آخر الليل أنام على وسادتي براحة ما بعدها راحة مغسول من كل همومي وخوفي وقلقي ..كورقة شجر طهّرها المطر..
#احمد_حسن_الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com