برميل دوّار الداخلية / يوسف غيشان

برميل دوّار الداخلية

ثمة كبير عيلة… رجل كبير في السن، أشيب أو أصلع، المهم أنه يرتدي شماغا بشكل دائم، يجلس في صدر المكان، أو يصبح صدر المكان حيث يجلس، ينهض الجميع عندما يدخل ويقف الجميع عندما يخرج.
اذا تكلم خلال حديثك فعليك أن تسد بوزك فورا وتستمع الى سواليفه، التي غالبا ما تكون قصص بايتة تماما، أو أنك لا تفهم ماذا يقول أصلا (مثله تماما)، وهي على الأغلب قصص معادة ومكررة بشكل شبه يومي، يحرص على أن يكون له في كل قصة دور محوري وبطولي.. وأحيانا يخطئ في سرد الأحداث أو يزيد عليها مع أنها حصلت في الماضي، لكن على الجميع الاستماع والاستمتاع بكل وقار وسؤدد، ولا بأس بهز الرأس بين الفينة والأخرى، على سبيل الموافقة الحرفية.
الرجل يستشهد حول بطولاته على طريقة (وفي الأمارية كان معي أبو خليل…) وبالصدفة فقط، فإن جميع من يستشهد فيهم الرجل هم موتى منذ عقود، ولا يمكن –طبعا- تأكيد النبأ من مصادر أخرى. كل ما عليك هو التصديق ثم التصديق ثم التصديق. طبعا لا بد أن تكون منطقة الدوار السابع وما حوله قد عرضت عليه مقابل ست نيرات – حينما كان شابا- لكنه رفض. وانه يتذكر عندما كان الخروف بربع دينار، ودوار الداخلية برميل، والإشارات الضوئية أبيض وأسود، والحرب شلاليط.
الأخطر في الموضوع أن الرجل ينظر الى الشباب بكل استخفاف، ويؤكد لهم بأنه حاصل على الرابع الابتدائي عندما كان الرابع الابتدائي أقوى من الجامعات حاليا، وأنه يعرف معلومات في جميع الموضوعات اكثر منهم بكثير، لا بل إن الذي نساه اكثر بكثير مما يعرف الشباب الحاصلون على الدكتوراه حاليا.
ثم يشرع كبير العيلة في إسداء النصائح من موقع الحكيم المناوب، ويؤكد لهم بأن عليهم أن يمشوا الحيط الحيط ويقولوا يا رب السترة، وأن يبوسوا الكلب ع ثمه حتى ينالوا مرادهم منه، وأن للحيطان آذانا وعيونا، وأن اللي بتجوز أمي بقول إله عمي، والكف لا يناطح المخرز..وأن وأن وأن.
أصدقائي الشباب
صدقوني من موقع الناقد وليس الكبير بالعمر، بأن عجلة التاريخ ما كانت لتتحرك الى الأمام لو صدق الجميع أمثال هذا الحكيم، لوصدق سبارتاكوس ذلك لما حصلت أول ثورة للعبيد في التاريخ، ومع انها فشلت الا انها ساهمت في تغيير وجه العالم فيما بعد، ولو صدق الجميع المطروح والمألوف واقتنعوا بديمومته لما كان هناك اي ثورة اجتماعية غيرت وجه العالم.
لو صدق نيوتن سواليف من قبله لما اكتشف الجاذبية، ولو صدق اينشتاين، ولو صدق اديسون لما اخترع المصباح الكهربائي واكثر من ألف اختراع آخر، ولو ولو ولو.
أصدقائي الشباب
اذا كنتم في جلسة فيها مثل هذا الكبير، فاخرجوا منها..وانفضوا نعالكم على الباب، حتى تتخلصوا من غبار هزائمنا نحن الختيارية الذين لم نعد نصلح حتى ولو قطع غيار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى