#بذرة #الخير والأجر في #الارتقاء_بالنفس_البشرية وحفظها وليست محصورة بإقامة و انشاء #أماكن_العبادة.
المهندس محمود ” محمد خير” عبيد
لقد جاء الامتحان الألهي الذي ضرب جنوب تركيا و شمال سوريا ليقرع جرس و يجعلنا نعمل على مراجعة نمط انفاقنا في أوجه الخير و تبرعاتنا و سبل الأسهام بها في اغاثة الملهوف و من اجل رفعة الأنسان الذي خلقه الله و اوجده على هذه الأرض و جعله خليفة عليها, فها نحن نرى اليوم ما يعانيه المتضررين من آثار الزلزال و معاناة الكثيرين من بني البشر من حياة بؤس و عوز إضافة الى الجهل بحيث نجد من المؤلم جدا أن ينفق البعض منا و العديد من الدول الملايين من اجل بناء دور عبادة, في الوقت الذي نجد فيه الكثيرون بحاجة دعم مادي من اجل منزل يقيهم و اسرتهم من حر الصيف و برد الشتاء و طعام يتغلبوا به على جوع أبنائهم او من اجل ان يلتحق أبنائهم بالمدارس و الجامعات لينهلوا من نهر العلم و يكونوا سندا” لعائلاتهم و شعلة عطاء و معرفة على هذه الأرض, او من اجل شراء دواء يشفيهم مما خلفه الفقر و العوز على صحتهم, فها نحن نرى الكثيرين ممن يرتادون دور العبادة سواء المساجد او الكنائس نراهم عفيفي النفس، احبطتهم الحياة، عليلين، محتاجين, يعانون من ضنك العيش و من أزمات مادية و صحية و اجتماعية متلاحقة وعديدة، و لكن عزة نفسهم و كرامتهم تعمل أعلى إبقاء هاماتهم مرفوعة و رؤوسهم شامخة امام تحديات العيش ولنجد ان من يسعى للمساعدة قليلين و اذا ما قاموا بالمساعدة فإنهم يساعدون بخجل.
من هنا اذا ما قمنا باحصاء دور العبادة في بلداننا و عالمنا سوف نجد الاف المساجد، الكنائس و المعابد التي كلفت الملايين و هو ما يعكس رغبة الموسرين في بناء بيوت الله من اجل ان يكسبوا الأجر و ان يكون اثرا” طيبا” لهم بعد مغادرتهم هذه الدنيا و تجسيدا” لمفهوم العبادة و طرق الخير التي تم اختزالها في هذا الطريق دون غيره. متناسين قول الله تعالى ” فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ* ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ* أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ* وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِآياتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأمَةِ* عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ “, و قول رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ” من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسّر على معسر ، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطّأ به عمله ، لم يسرع به نسبه )لو تعمقنا في هذه الأية و الحديث النبوي الشريف لوجدنا التنفيس عن المؤمنين و التيسير لهم و سترهم جاءت جميعا” قبل الاجتماع في بيت من بيوت الله , فإذا ما اشتدت الكروب، ونزلت بالساحات الخطوب, قام الأنسان بتوكيل أمر تفريجها إلى خالقه وراحمه سبحانه وتعالى مع بذل الأسباب المباحة الممكنة، فعند ذلك تخفّ عليه ويقرب رفعها عنه.
اذا ما تسائلنا اليوم عن ما يتم استثماره من أموال في دور الأيتام و في المدارس و المستشفيات و المراكز الطبية , و في تعليم انسان مجتهد محتاج من الممكن ان يكون له اثر طيب في هذه الدنيا” علميا” او فكريا”, و في انشاء اوقاف يكون ريعها لخدمة الإنسانية( علميا”, ثقافيا”, صحيا” و إنسانيا”) و التي هي عبادة سامية, مقابل ما يستثمر في بناء دور العبادة و في خدمتها اذا ما افترضنا جدلا” و هو امر مشكوك فيه ضمن أنظمة الفساد التي نعيشها ان جميع الأموال التي يتم جمعها من اجل خدمة دور العبادة تذهب في مسارها الصحيح, من هنا نتساءل هل الأجر عند الله فقط يكون اذا ما قمنا ببناء دور العبادة مقابل ان تزهق حياة انسان بسبب عدم وجود مأوى يأويه او طعام يسد جوعه او مستشفى او طبيب يقوم بعلاجه, او مدارس و جامعات نموذجية تتبنى المعوزين من طالبين العلم، اليس لهم الحق أيضا” بالحصول على تعليم نموذجي و انساني, اعتقد اصبح في منطقتنا المؤمنة العديد من دور العبادة بحيث ان المسافة بين المسجد او الكنيسة و الأخرى لا تزيد في بعض الحالات عن 300-400 متر و نجدها متزاحمة في المدن الرئيسية حيث الكلفة العالية لانشاءها اكثر منها في القرى و الارياف، ان عبادة الله غير محصورة بان نقيمها في بيت من بيوت الله بل يمكننا اقامتها في اي مكان على وجه البسيطة, فالله موجود و يسمع دعواتنا و صلواتنا أينما كنا, و الهدف السامي الذي خلق الله الأنسان من اجله هو اعمار الأرض, فبدون الأنسان سوف تكون دور العبادة فارغة و لن يكون هناك من يرتادها, فالأنسان وجد على هذه الأرض قبل ان توجد دور العبادة, من هنا من الواجب علينا كمثقفين, متنورين ان نعمل على انفاق صدقاتنا و تبرعاتنا بفائض اموالنا في العمل على دعم المجتمعات الإنسانية و الارتقاء بكرامة الأنسان أينما وجدت من خلال المساهمة في إقامة مؤسسات مهنية او مصانع منتجة تعمل على مساعدة المعوزين و يكون ريع أرباحها من اجل رفع سويتهم الاجتماعية و إعادة الاستثمار في مشاريع أخرى حتى تنموا هذه النواة الطيبة. فدور العبادة لن تعمل على إيجاد عمل لأنسان محتاج او توفر التعليم لأنسان متفوق، ودور العبادة التي استثمر في بنائها الملايين جل مرتادوها يحضرون فقط أيام الجمع للمساجد والأحد للكنائس اما باقي الأيام الباقية, فهي فارغة الا من فئة قليلة, و هنا علينا ان ننوه عندما نتكلم عن دعم مجتمعاتنا و التبرع لها و انشاء اوقاف خاصة يجب ان ننوه ان الدعم يكون للإنسان بغض النظر عن دينه او عرقه او معتقداته فلا يوجد في الإنسانية تعصب فجميعنا جزء لا يتجزأ من نسيج هذه الأرض باختلافاتنا العرقية و العقائدية و الدينية و علينا ان لا نسمح لمسيلمات الأرض و دجاليها من رجال الدين الذين نصبوا انفسهم اوصياء على هذه الأرض ان يكون لهم يد في هذا المسار لأنه عندها سوف يكون التعصب و حب التملك هو من سوف يطفوا على الإنسانية و الفرقة هو الأجندة التي سوف يعملون على بثها لأن كل منهم يريد اتباعهم تحت مظلة كذبهم و دجلهم و نفاقهم.
ان تعبدنا و تقربنا الى الله ليس محصورا” باتباعنا لرجال الدين من الدجالين او من خلال عبادته عز و جل في بيوته سواء مساجد او كنائس فعبادتنا لخالقنا لا يمكن ان نختزلها بعباداتنا التي نقيمها في المساجد او الكنائس, في حين ان إغاثة الملهوف و كل عمل صالح عبادة ، وان قبول اعمالنا و انتصارنا للمعوزين وجزاءها سوف يكون دائما” مرتبط بما نعمل على تقديمه من دعم و مؤازرة للبشر بغض النظر عن نوع الدعم و المؤازرة, فاذا ما قمنا ببناء مدرسة او جامعة أو قمنا بكفالة ايتام و بناء سكن كريم لهم و قمنا بتنشئتهم تنشئة صالحة و تعليمهم ليستفيدوا و يفيدوا مجتمعاتهم فهذا بحد ذاته عبادة، و سوف تكون و الله اعلم اقرب الى الله تعالى من بناء مسجد او كنيسة.
و هنا علينا ان نتجاهل من يسعون الى إيجاد منابر لهم من خلال بيوت الله لبث كذبهم و دجلهم و الفرقة بين النسيج الإنساني الذي اوجده الله لبناء هذه الأرض بالرأفة , المحبة و السلام و ذلك من خلال اقناع البسطاء من الناس بأن الثواب المتأتي من بناء المساجد و الكنائس و التبرعات لها هو ما سيشفع لهم و يدخلهم الجنة والاقرب الى طاعة الله ونيل مرضاته، متناسين و متجاهلين الثواب المتأتي من اغاثة الملهوف ، او علاج مريض و إنقاذ نفس بشرية او تعليم طالب او تأمين مسكن لمشرد, لذا علينا العمل على الارتقاء بثقافة ان يعمل الميسورين على تأسيس وقف من الممكن ان يخلد اسمهم و ذكراهم من خلال هذا الوقف و يكون اثر طيب لهم على هذه الأرض و يشفع لهم يوم الدين من خلال انشطة منتجة، او مؤسسات تعليمية و صحية و صناعية و تجارية تحتاجها مجتمعاتنا فاذا ما عدنا بالتاريخ الى الخلف بعض الشيء سوف نجد ان الاستعمار الفرنسي و البريطاني و الإيطالي لمنطقتنا قاموا باستثمار أموالهم و أموال الموسرين منهم في انشاء مستشفيات و جامعات و مدارس لهم في منطقتنا لتكون نواة لتنشئة أجيال مثقفة و متعلمة و ليكونوا محجا” للمحتاجين من المرضى و الطلبة بمظلة استعمارية، فها نحن نجد ان غالبية المدارس و الجامعات الأمريكية و المستشفيات الموجودة منذ عصر الاستعمار أقيمت على أساس الوقف فجميعها غير ربحية و يتم استثمار أرباحها في دعم العائلات المحتاجة و تعليم الطلبة و علاج المرضى العفيفي النفس لذلك علينا ان نعمل على وضع بناء المساجد و الكنائس أولوية تاتي بعد انشاء و إقامة ما تحتاجه مجتمعاتنا و ما نستطيع ان نقوم به من اجل دعم المعوزين و عفيفي النفوس و ضحايا الكوارث الطبيعية في العالم اجمع و بخاصة الأن في سوريا و تركيا.
و لنكون على يقين بأن قربنا من الله لن يكون فقط من خلال العبادات و الشعائر التي نقوم بها او من خلال بناء و انشاء مساجد و كنائس بل قربنا اليه عز و جل سوف يكون من خلال كيف لنا ان ننقذ عباده و نحفظ لهم انسانيتهم و كرامتهم, فليس هناك ثواب او اجر يعادل ثواب ان نقوم بمعالجة مريض أو تعليم طالب يتطلع الى ان يكون إنسانا فاعلا في الحياة أو سد عوز أسرة مستورة ، أو مساعدة شاب على الزواج أو غير ذلك من ابواب الخير، فهذه جميعا” تعادل إقامة دور عبادة او السير للحج او العمرة فهذا الدور الإنساني لا يقل عن انشاء دور العبادة.
هنا يجب التنويه اننا لا نطالب التوقف عن بناء المساجد او الكنائس, و لكن يجب ان يكون هناك أولويات و يجب على مجتمعاتنا بكافة اطيافها القيام بدورها و مسؤوليتها المجتمعية من خلال دراسة أوضاع المجتمع و تحديد الأولويات سواء من خلال انشاء مدارس و جامعات نموذجية ترعى الطلبة و تهيء لهم بيئة نموذجية للتعلم او مستشفى على مستوى عالي من الخدمة الطبية و البيئة الصحية و العلاجية او من خلال مشاريع إنتاجية تعمل على تشغيل الشباب و الأسر الأقل حظا” و حتى نستطيع ان نبدأ يجب ان تقوم المؤسسات الرسمية بتوجيه أي تبرّع أو هبة أو مساعدة من اجل بناء مسجد او كنيسة الى مشروع وقف تعليمي, صحي او انتاجي تقوم الجهات الرسمية بدراسة الأولويات و توجيهها بهذا الاتجاه, ان الهدف لم و لن يكون في أي حال من الأحوال ليكون من منطلق التضييق على أعمال الخير, و لكن قد تكون خطوة في الطريق الصحيح من خلال ترشيد الإنفاق الذي أمرنا به، و ما ندعوا اليه ليس من باب الرفاهية أو الكماليات، بل من واجباتنا الأصيلة و من اهداف وجودنا على هذه الأرض من خلال اعمار الأنسان و من ثم اعمار البناء و من اجل نهضة الأنسان في هذه البقعة من الأرض و حتى نعمل على وصول كل من يسكن هذه المنطقة و نرتقي بكرامته و عزة نفسه من خلال الاكتفاء الذاتي و عدم حاجته و حاجة اسرته الى السؤال. حتى يكون هذا الأنسان قادرا بعد ذلك على التفاعل المثمر مع نتائج وجود دور العبادة من حوله في كل ميادين حياته. فاي انسان يذهب الى أي من دور العبادة هو بحاجة الى امن غذائي, امن اقتصادي, امن صحي, امن ثقافي, ايمان مطلق فكيف لأنسان جائع ان يدخل مسجد او كنيسة و صوت معدته اعلى من صوت رجل الدين, و كيف لأنسان معوز يحتاج إلى تأمين متطلبات التعليم لأبنائه ان يدخل مسجد او كنيسة من اجل طلب المساعدة و نكسر له كرامته و عزة نفسه, و كيف لمريض ان يدخل أماكن العبادة و هو لا يستطيع ان يقف من الألم و لا يستطيع ان يحصل على علاجه بكرامة, فلنتفق ان عمل الخير لم يكن في يوم محصورا” على بناء المساجد و الكنائس، ولا في تشييد المصليات، ولا في إنفاق الملايين على التزيين والزخرفة، بل إن عمل الخير يتمثل بأن نعمل و نسعى من اجل تحسين خدمة الإنسان في إنسانيته و رفع سويته على هذه الارض و تلبية حاجاته الضرورية ليكون انسانا” عزيز النفس قادرا على دخول دور العبادة و نفسه راضية و يتفاعل مع المجتمع بأريحية. و هنا نورد ما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً)..
ان الارتقاء بإنسانيتنا سوف يتأتى من خلال أي عمل خيري خدمة للنفس البشرية التي خلقها الله و التي قد تكون سببا” طيبا” بأن يبارك الله في اعمالنا, يجب ان نتدارك انفسنا قبل ان نقع في مرحلة نفقد فيها الأنجاز الروحاني و الأنجاز الإنساني عندها لن ينفعنا إلا العودة الصادقة إلى ما يحقق الأمن والأمان والخير والتيسير والطمأنينة في حياتنا كبشر